سمحت مصر لعملتها بالتراجع إلى مستوى منخفض جديد أمس الأربعاء حيث تكافح البلاد أزمة العملة الأجنبية التي تخنق الشركات، بحسب صحيفة "فايننشال تايمز".
وانخفض الجنيه المصري بما يصل إلى 14 في المائة ليتداول عند 32.2 مقابل الدولار الأمريكي.
ويأتي تراجع العملة بعد أن وافقت مصر على الانتقال إلى نظام عملة مرن كجزء من خطة إنقاذ بقيمة 3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي تهدف إلى المساعدة في تخفيف نقص العملة الأجنبية المستمر منذ ما يقرب من عام.
ومنذ أن قال البنك المركزي إنه سينتقل إلى سعر مرن للعملة في أكتوبر فقد الجنيه نحو 35 بالمئة لأنه سمح له بخفض قيمته على مراحل. لكن المحللين حذروا من أن عليها المزيد من الانخفاض لضمان استعادة توازن العرض والطلب في سوق الصرف الأجنبي.
ويزيد ضعف الجنيه من آلام ملايين المصريين لأنه يغذي الضغوط التضخمية، حيث بلغ التضخم في المناطق الحضرية 21.3 في المائة في ديسمبر، وهو أعلى مستوى له منذ سنوات.
وتشير التقديرات إلى أن 60 في المائة من سكان مصر البالغ عددهم 100 مليون نسمة يعيشون تحت خط الفقر أو فوقه مباشرة.
تضررت الدولة العربية من الرياح المعاكسة لغزو روسيا لأوكرانيا، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية. كما أدى إلى هروب رؤوس الأموال من مصر، حيث سحب المستثمرون الأجانب حوالي 20 مليار دولار من الديون المحلية في فبراير ومارس من العام الماضي.
وأثار تدفق رؤوس الأموال أزمة العملة الأجنبية وأجبر حكومة السيسي على اقتراض أكثر من 13 مليار دولار من دول الخليج وطلب المساعدة من صندوق النقد الدولي للمرة الرابعة منذ عام 2016.
ورفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة العام الماضي في محاولة لجذب تدفقات المحافظ الأجنبية وتمويل عجز الحساب في البلاد. ومع ذلك ، فإن هذه التدابير لم تخفف الضغط على العملة.
وتم الاتفاق على قرض صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولار في أكتوبر بعد أشهر من المحادثات، حيث يقدر الصندوق أن حكومة السيسي تواجه فجوة تمويلية قدرها 17 مليار دولار على مدى السنوات الأربع المقبلة.
ويقول محللون وكبار رجال أعمال إن مشاكل البلاد تفاقمت بسبب دور الجيش في الاقتصاد الذي توسع منذ استيلاء عبد الفتاح السيسي قائد الجيش السابق على السلطة في انقلاب عام 2013.
ومع تكليف الجيش بالمسؤولية عن مئات مشاريع البنية التحتية وتوسيع بصمته عبر قطاعات متعددة، تم إلقاء اللوم عليه في مزاحمة القطاع الخاص وإحباط الاستثمار الأجنبي المباشر اللازم لجلب مصادر مستدامة للعملة الأجنبية.
ويشكو المحللون أيضا من أن الدولة تعيش بما يتجاوز إمكاناتها حيث مضى السيسي قدما في مجموعة من مشاريع البنية التحتية الكبيرة.
ومصر هي ثاني أكبر مدين لصندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين وأصبحت تعتمد بشكل متزايد على دعم دول الخليج الغنية بالنفط بما في ذلك السعودية والإمارات وقطر.
وقال صندوق النقد الدولي يوم الثلاثاء إن حكومة السيسي وافقت على إصلاحات هيكلية للحد من دور كيانات الدولة بما في ذلك الشركات المملوكة للجيش في الاقتصاد. وقال إن سلطات الانقلاب بحاجة إلى "تحول دائم إلى نظام مرن لسعر الصرف لزيادة المرونة في مواجهة الصدمات الخارجية وإعادة بناء هوامش الأمان الخارجية".
لكن الصندوق حذر أيضا من أن "الضبط المالي في سياق ارتفاع تكاليف المعيشة قد يواجه مقاومة سياسية واجتماعية".
وقال صندوق النقد الدولي "لا يزال يتعين إثبات متانة التحول إلى سعر صرف مرن وقد يواجه (البنك المركزي) ضغوطا سياسية واجتماعية لعكس مساره". "ستستغرق الإصلاحات الهيكلية المقترحة وقتا لتنفيذها وتحقيق النتائج المرجوة ، في حين أن الإصلاحات التي تهدف إلى الحد من دور الدولة قد تواجه مقاومة من أصحاب المصالح الخاصة في البلاد."
ونقلت الصحيفة عن كيفن دالي ، مدير صندوق الأسواق الناشئة في Abrdn، قوله " تقترب العملة من مستويات جذابة للمستثمرين الأجانب ، لكن أسعار الفائدة على الديون المحلية ستحتاج أيضا إلى الارتفاع لإعادتها إلى القوة".
وأضاف: "لا أتوقع أن أرى تدفقا كبيرا للدولار إلى السوق حتى تحصل على تعديل أعلى في أسعار الفائدة". وأوضح دالي أن عائدات الديون الحكومية قصيرة الأجل تبلغ حوالي 20 في المائة ، لكنها ستحتاج إلى الارتفاع إلى ما يقرب من 30 في المائة "لإخراج الناس من مقاعدهم".
https://www.ft.com/content/fa457ac5-2c92-4348-b686-3a04df721f4b