عصام نعمان يكتب: وزير الدفاع الأمريكي: «ملتزمون بشدة أمن «إسرائيل» السؤال: هل بات المطلوب إنقاذ «إسرائيل» مِن نفسها؟

- ‎فيمقالات

بعدما التقى رئيس حكومة «إسرائيل» بنيامين نتنياهو ووزير حربها يوآف غالانت، صرح وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في مطار تل أبيب: «واشنطن ملتزمة بشدة أمن دولة «إسرائيل». ونحن قلقون خصوصاً من عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين، ونعارض بشدة أي أعمال يمكن أن تؤدي إلى مزيد من انعدام الأمن بما في ذلك التوسع الاستيطاني والخطاب التحريضي». أوستن لم يوضح كيف تعتزم الولايات المتحدة حماية أمن «إسرائيل»، لكنه لمّح إلى ما تعتبره تهديداً لأمنها، فكيف تراها تتصرف ضد مهدّدي أمن حليفتها المدللة، وعنف مستوطنيها ضد الفلسطينيين، كما ضد قوى الأمن التي ما زالت موالية لنتنياهو؟
أوستن أطلق مجرد تلميح وليس تصريحاً حول ما تعتزم واشنطن اتخاذه من تدابير، لأن ما يُقلقها هو خطر مستوطني «إسرائيل»، أيّ مواطنيها، على أمنها في الوقت الحاضر وليس «خطر إيران النووي». ولعل ما يُقلق واشنطن ووزير دفاعها أيضاً خطر المستوطنين على نتنياهو نفسه. الدليل، ألم يُضطر، تفادياً لمحاصرته من المتظاهرين، إلى أن يركب وزوجته مروحية للشرطة كي تنقله إلى المطار عند مغادرته إلى روما في زيارة رسمية لإيطاليا؟ أكثر من ذلك، ألم تطلب قوى الأمن الإسرائيلية من أوستن أن يبقى في المطار حفاظاً على أمنه، وأن يأتي نتنياهو بنفسه، كما وزير الحرب غالانت، كي يجتمعا إليه؟ واشنطن تعلم بالتفصيل مدى تردّي الأمن في الكيان الصهيوني، نتيجةَ اعتراض الجمهور وسخطه على حكومة نتنياهو، بعد مباشرتها استصدار قوانين في الكنيست تقضي:
ـ بإجازة قيام الكنيست بإلغاء أحكام المحكمة العليا.
ـ بتوسيع صلاحيات المحاكم الدينية وتضييق صلاحيات المحاكم المدنية.
ـ بحق الحكومة في تعيين قضاة بموجب شروط تلائمها.
إلى ذلك، تحيط واشنطن بمدى اتساع حملة الاحتجاج على سياسة حكومة نتنياهو من خلال وقائع لافتة:

ما يهدّد أمن «إسرائيل» في الوقت الحاضر ليس إيران، بل انقسام الجمهور الإسرائيلي على نفسه وتكاثر عديد المعادين لحكومة نتنياهو اليميني، واشتباكهم مع مؤيديها

ـ تظاهرات احتجاجية بمئات الآلاف تجتاح المدن الكبرى، ولاسيما تل أبيب، حيث تمكّن المتظاهرون من إغلاق شارع رئيسي يؤدي إلى مقر وزارة الحرب.
ـ إعلان بعض الضباط والجنود الاحتياط عزمهم على عدم الالتحاق بمواقع مهامهم العسكرية احتجاجاً على تحكّم الحكومة بالقضاء.
ـ رفض طياري شركة العال نقل نتنياهو في رحلته المقررة إلى روما، ما اضطر ادارة الشركة إلى التفتيش عن طاقم خاص للقيام بالمهمة.
ـ إغلاق المحتجين مرفأ حيفا بمجموعة من القوارب لمنع الملاحة فيه.
ـ اغتنام المقاومة الفلسطينية حال الاضطراب الأمني السائد في الكيان لمدّ نشاطها المتصاعد إلى تل أبيب، حيث نفّذ أحد المقاومين عمليةً أدت إلى إصابة خمسة صهاينة قبل أن يرتقي شهيداً.
ـ إعلان وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، أن المتظاهرين عطلوا سفر وهدّدوا حياة سبعين ألف شخص في إشارة إلى عدد المسافرين الذين كان من المقرر أن يغادروا «إسرائيل» عبر المطار يوم الخميس الماضي (هآرتس 2023/3/8)
ـ إعلان الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ أنه يتعيّن على حكومة نتنياهو أن تتخلى عن التشريع المقترح لـِ»إصلاح القضاء» وأن تتبنّى في المقابل نموذجاً يحظى بدعم واسع.
ـ إعلان مبعوث الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط تور وينسلاند في بيان: «نحن في دوامة عنفٍ يجب وقفها على الفور»، مشيراً إلى بيان مجلس الأمن الدولي الذي دان في 20 شباط/فبراير الماضي جميع أعمال العنف ضد المدنيين، وذلك عقب المجزرة التي ارتكبها المستوطنون الصهاينة في مخيمٍ قرب مدينة أريحا.
ـ تحذير وكالة «موديز Moody’s» للتصنيف الإئتماني من الأضرار التي ستلحقها «إصلاحات» نتنياهو المضعِفة للقضاء باقتصاد «إسرائيل» ومخاطرها الجيوسياسية في المدى الطويل.
كل هذه الواقعات والتطورات تشير إلى أن ما يهدّد أمن «إسرائيل» في الوقت الحاضر ليس إيران، بل انقسام الجمهور الإسرائيلي على نفسه وتكاثر عديد المعادين لحكومة نتنياهو اليميني، واشتباكهم مع مؤيديها. لعل واشنطن باتت مقتنعة، والحال هذه، أن المطلوب هو إنقاذ «إسرائيل» من نفسها وليس دعمها في مغامرة عسكرية مكلفة وغير مأمونة ضد إيران. كيف يمكن أن تُنقذ واشنطن «إسرائيل» من نفسها؟ هل تضغط على نتنياهو، كما يفعل حالياً الرئيس الإسرائيلي هرتسوغ، ليتخلّى عن برنامجه الاستفزازي لـِ»إصلاح» القضاء فيما هو يؤدي فعلاً إلى إضعافه؟ هل بالاستعانة بزعماء اللوبي اليهودي الأمريكي (إيباك) المعارضين لـِ»إصلاحات» نتنياهو القضائية لإكراهه على التخلي عنها أو الاستقالة؟ هل بدعم قوى المعارضة مالياً وإعلامياً لتزخيم المطالبة باستقالة حكومته وإجراء انتخابات جديدة ستكون السادسة خلال أربع سنوات؟ لنفترض أن نتنياهو وحلفاءه رفضوا الانصياع لضغوط الجمهور الإسرائيلي المعارض لحكومته اليمينية الشديدة التطرف، وقرروا شنّ حربٍ على إحدى فصائل المقاومة، أو على موقع أو أكثر في إيران أو سوريا أو لبنان أو قطاع غزة، بغية تعبئة الجمهور ليلتف حولهم، فيتفادون، في ظنهم، الحملة السياسية والشعبية المناوئة لهم والمهددة بقاء حكومتهم في السلطة.. إذا ركب نتنياهو وحلفاؤه رؤوسهم وخاضوا هذه المغامرة، فما عساه يكون ردّ أطراف محور المقاومة؟ هذا السؤال مطروح، دونما شك، لدى قياديين في محور المقاومة، ويدفع بعضهم إلى تخمين ما يمكن أن يكون عليه الردّ وتحديد مواقع إسرائيلية ربما تكون في مرمى هذا الطرف أو ذاك من أطراف محور المقاومة. من جهتي، أستبعد أن يذهب التطرف بنتنياهو إلى حدّ المجازفة بشن حربٍ في هذا الظرف العصيب ضد اي طرف من أطراف المقاومة خارج نطاق فلسطين من النهر إلى البحر. أما إذا جنّ وفعل، فأعتقد أنه يتيح بذلك لأطراف المقاومة جميعاً، ولاسيما لحزب الله، اغتنام هذه الفرصة التاريخية النادرة لتدمير منشآت «إسرائيل» النفطية والغازيّة وتمديداتها على طول ساحل فلسطين المحتلة وفي عمقها. بذلك تتحقق نبوءة بعض اليهود المؤمنين بأن ما من دولةٍ عبرية صمدت في التاريخ لتبلغ سنّ الثمانين.
كل ما سبق بيانه من واقعات وتطورات ومواقف جرى قبل الحدث الجلل: عودة العلاقات بين إيران والسعودية برعاية الصين بعد سنوات سبع من القطيعة والصراع. ترى، ألن يُسهم هذا الحدث التاريخي وانعكاساته المرتقبة على العلاقات الدولية، خصوصاً في الشرق الأوسط، في اختصار عمر الدولة العبرية الى ما دون الثمانين؟

………..
كاتب لبناني

نقلا عن "القدس العربي"