“كتف بكتف” حفل استعراضي يتسم بالرياء ويؤكد تأميم العمل الخيري

- ‎فيتقارير

نظمت أجهزة جنرال الانقلاب عبدالفتاح السيسي الجمعة 17 مارس 2023م،  حفلا استعراضيا باستاد القاهرة؛ لإطلاق حملة «كتف بكتف» التي ينفذها ما يسمى بالتحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي الذي تهيمن عليه أجهزة السيسي الأمنية وعلى رأسها الأمن الوطني.

ما يفعله السيسي بدعة سيئة بالمفهوم اللغوي للكلمة؛ أولا لأن العمل الخيري الأصل فيه أنه عمل تعبدي  والاستعراض يفسد العبادة؛ فه شكل من أشكال الرياء الذي نهى الله تعالى عنه. ولا يوجد في أي دولة بالعالم  تدخل حكومي سافر في العمل الأهلي كما يفعل السيسي وأجهزته الأمنية.

الأكثر خطورة أن السيسي المهووس بحب الظهور واللقطة والشو الإعلامي يفعل ذلك على حساب أموال المتبرعين والمؤسسات الخيرية التي تقوم أساسا على تبرعات الموسرين؛ فلماذا يستأثر السيسي باللقطة الإعلامية كشكل من أشكال الدعاية السياسية للنظام بعمل هو في الأساس ليس حكوميا ولا علاقة للحكومة به؟! لماذا تسلط الأضواء على الجنرال بينما يتواري المتبرعون الحقيقيون من أبناء الشعب المصري؟!  ألا ينطبق على السيسي وشلته قول الله تعالى: { لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (188)}؟! لماذا يحتفل السيسي بإطلاق حملة خيرية تنفيذها مؤسسات مدنية أهلية بتبرعات المصريين؟! ولماذا يتم حشد آلاف المواطنين  من جانب أجهزة الدولة لحضور هذا الحفل؟ وكم تكلف هذا الاحتفال؟ وما حجم فاتورة تكلفته على الحراسة والتأمين وتكاليف إحضار الآلاف والبث التلفزيوني وخلافه؟ ألم  يكن من الأولى التبرع بتكاليف هذا الحفل الاستعراضي لدعم مزيد من الفقراء وقد تضاعفت أعداد الفقراء في مصر في عهد الجنرال إلى مستويات مرعبة؟!

الملاحظة الأخرى تتعلق بالأرقام التي ذكرها السيسي؛ فهو يزعم أن مشروع "حياة كريمة" الذي يختص بتنمية الريف المصري يستهدف به رفع مستوى المعيشة لأكثر من أربعة آلاف قرية وتحقيق تنمية حقيقية وتحسين جودة حياة حوالي «58» مليون مصري بالريف، وأن المرحلة الأولى من المشروع تكلفت (350 مليار جنيه)، بينما تصل التكلفة الإجمالية   مع نهاية المرحلة الثانية إلى (تريليون جنيه)؛ فكيف نتحقق فعلا من وصول هذه الأموال  إلى الفقراء والمساكين والمحتاجين؟ وكيف نثق في حقيقة هذه الأرقام والنظام معروف بالكذب منذ اغتصابه للحكم بانقلاب عسكري في منتصف 2013م؟ ولماذا تتدهور مستويات المعيشة فعليا  رغم إنفاق كل هذه  الأموال الهائلة؟! وما حجم الفساد الذي ينخر في المقربين من السيسي إذا علمنا أن هذه الأموال لا رقابة عليها مطلقا؟!

الملاحظة الثالثة تتعلق بتأميم العمل الخيري الأهلي لحساب السلطة؛ وتوظيف أنشطة هذه المؤسسات الخيرية  التي تقوم على أموال المتبرعين من المصريين لتجميل صورة النظام والتخديم على أجندته السياسية والاقتصادية في ظل فشله الذريع في إدارة كافة قطاعات الدولة وانهيار قيمة الجنيه أمام الدولار وباقي العملات وتواصل موجات الغلاء الفاحش منذ التعويم الأول في 2016م.

 

تحيا مصر والتحالف الوطني!

وفي أعقاب الانقلاب العسكري أجهزت السلطات العسكرية على العمل الخيري بشن حملة ضارية على آلاف الجمعيات والمؤسسات الخيرية التي كان يديرها الإخوان المسلمون والتي كانت تغطي شبكة نشاطها ملايين المصريين في كافة المحافظات المصرية. وكانت الخطوة الثانية هي تأسيس صندوق "تحيا مصر"، بقرار جمهوري بقانون رقم 139 لسنة 2014م، حيث يتمتع بالاستقلال المالي والإداري؛ بهدف تكريس وضعه باعتباره قاطرة العمل الخيري في مصر، بما يعني تأميم العمل الخيري وجعله شأنا حكوميا لا مدنيا ويقوم عليه النظام وأجهزته الأمنية وليس المجتمع وقواه الحية الفاعلة. وبالتالي فكان الهدف من الصندوق هو تعزيز قبضة السلطة على حساب إضعاف المجتمع وتهميش دوره حتى يبقى دائما تحت وصاية السلطة والاحتياج الدائم والمستمر لها.

ولتحقيق أجندة السلطة ومخططاتها، تم تدشين ما يسمى بـ«التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي» في 13 مارس 2022م، حيث توقيع ميثاق التحالف تحت مظلة مبادرة «حياة كريمة» التي أطلقها السيسي، ويضم التحالف ٢٤ جمعية، ومؤسسة أهلية وكيانًا خدميًا وتنمويًا، منها الاتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الأهلية والذي يضم في عضويته 30 اتحادًا نوعيًا و27 اتحادًا إقليميًا، والتي تعمل في مختلف مجالات التنمية على تنوعها من خدمية وصحية وتوعوية، وتعليمية، وعمرانية، وغيرها. وإلى جانب الاتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الأهلية  يضم التحالف أيضا مؤسسة حياة كريمة ومؤسسة بيت الزكاة والصدقات المصري ومؤسسة الجود الخيرية وجمعية الأورمان وبنك الطعام المصري ومؤسسة مصر الخير ومؤسسة مجدي يعقوب والمعهد القومي للأورام بكل فروعه والهيئة القبطية الإنجيلية ومؤسسة بهية ومؤسسة أهل مصر ومؤسسة صناع الحياة ومؤسسة راعي مصر وجمعية رسالة وجمعية الباقيات الصالحات وجمعية رعاية مرضى الكبد ومستشفيات جامعة القاهرة، وكذلك مؤسسة العربي لتنمية المجتمع وجمعية الدكتور مصطفى محمود ومؤسسة صناع الخير ومؤسسة كير ومؤسسة عدالة ومساندة ومؤسسة أبوالعينين.

 

العمل الخيري لخدمة النظام

حاليا يتبنى هذا التحالف فلسفة النظام وتصوراته عن العمل الأهلي  من أجل خدمة أهداف النظام وأجندته؛ ويتم توظيف أنشطته من أجل الدعاية للنظام وخدمة أجندته السياسية. ورغم مرور نحو سنة من تدشينه، ومطالبة النظام للقائمين عليه بضم جمعيات جديدة له، لم يكشف السيسي أو أي من أجهزة الدولة أو الجمعيات المنضمة له عن القرار أو القانون أو اللائحة التي تنظم عمله، وماهية الهيكل الإداري والمؤسسي له، ومن الذي يحدد أنشطته، وأوجه صرف أمواله، وأوجه صرف المليارات العشرة التي وجه السيسي بتخصيصها لأنشطته من موازنة الدولة خلال سنة 2022م.

اللافت  أن المؤسسات والجمعيات المدعوة للانضمام للتحالف لا تملك حرية الاختيار في القبول من عدمه؛ فالجميع مكره على  الانضمام والاذعان؛ فشيخ الأزهر نفسه الدكتور أحمد الطيب لم يملك رفاهية الاختيار حين دعي إلى ضم «بيت الزكاة والصدقة» للتحالف؛ بل أبدى الطيب أعلى صور الإذعان حين استجاب لتوجيهات القائمين على التحالف بتعيين وزيرة الاستثمار السابقة، سحر نصر، كمستشارة للشيخ للتطوير المؤسسي لصندوق بيت الزكاة والصدقات، ومديرة تنفيذية له، بما يعطيها الحق في مشاركة الطيب في إدارة الموارد المالية للصندوق. تبع ذلك إبرام نصر بروتوكول تعاون بين «بيت الزكاة» وبين صندوق تحيا مصر، يتضمن تبرع البيت للصندوق بـ105 ملايين جنيه لتطوير القرى الأكثر احتياجًا. وهو ما يؤكد على مدى إصرار النظام على السيطرة على  أموال النشاط الخيري. وبذلك يمضى على خطى الدكتاتور جمال عبدالناصر عندما نهب أموال الوقف الخيري الإسلامي ودمر أعظم منجزات الحضارة الإسلامية على مدار نحو (1400) سنة.