حذرت ورقة بحثية لموقع "الشارع السياسي" زيادة تفكك المجتمع وتزايد معدلات الجريمة والانتحار والطلاق، وقد ينتهي الأمر بانتفاضة جياع كما جرى أمام أحد معارض “أهلا رمضان” في إحدى المحافظات مؤخرا خلال فبراير 2023.
ورأت أن ذلك سببه المباشر التعقيدات والقيود التي وضعتها الدولة (حكم العسكر) على النشاط الأهلي والخيري وبات عقبة كؤودا في ظل أطماع النظام في السيطرة على أموال التبرعات، وتأميم العمل الأهلي وبسط أجهزة الدولة الأمنية يدها عليه من الألف إلى الياء من خلال إنشاء صندوق “تحيا مصر” في 2014، ثم إنشاء «التحالف الوطني للعمل الأهلي»، في مارس 2022م.
وأشارت الورقة التي كانت بعنوان "العمل الخيري تحت تأثير الأزمة الاقتصادية" إلى أن ما يسمى "التحالف الوطني" يستهدف به النظام المزيد من تأميم العمل الأهلي، وخلق كيان موازٍ لوزارة التضامن الاجتماعي يكون أقوى منها، تتبعه فئة مختارة من المؤسسات والجمعيات المحسوبة على النظام.
ولفتت إلى أنه بدلا من دعم الدولة الجمعيات وإزالة معوقات عملها، سيطرت على بعضها واستقطعت من ميزانيتها لتحقيق سياسات الحكومة بأموال التبرعات لخدمة الأجندة السياسية للنظام في ظل فشله في إدارة موارد الدولة بكفاءة واحترافية.
التحالف إطار لهيمنة السلطة
وقالت الورقة إن "التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي الذي دشنه السيسي في 13 مارس 2022م، يمثل هيمنة السلطة على النشاط الخيري، حيث توقيع ميثاق التحالف تحت مظلة مبادرة "حياة كريمة" التي أطلقها السيسي، ويضم التحالف ٢٤ جمعية، ومؤسسة أهلية وكيانا خدميا وتنمويا، منها الاتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الأهلية والذي يضم في عضويته 30 اتحادًا نوعيًا و27 اتحادا إقليميا، والتي تعمل في مختلف مجالات التنمية على تنوعها من خدمية وصحية وتوعوية وتعليمية وعمرانية وغيرها".
ويضم التحالف أيضا؛ مؤسسة حياة كريمة ومؤسسة بيت الزكاة والصدقات المصري ومؤسسة الجود الخيرية وجمعية الأورمان وبنك الطعام المصري ومؤسسة مصر الخير ومؤسسة مجدي يعقوب والمعهد القومي للأورام بكل فروعه والهيئة القبطية الإنجيلية ومؤسسة بهية ومؤسسة أهل مصر ومؤسسة صناع الحياة ومؤسسة راعي مصر وجمعية رسالة وجمعية الباقيات الصالحات وجمعية رعاية مرضى الكبد ومستشفيات جامعة القاهرة، وكذلك مؤسسة العربي لتنمية المجتمع وجمعية الدكتور مصطفى محمود ومؤسسة صناع الخير ومؤسسة كير ومؤسسة عدالة ومساندة ومؤسسة أبوالعينين.
وقالت الورقة إن "التحالف يتبنى فلسفة النظام وتصوراته عن العمل الأهلي، من أجل خدمة أهداف النظام وأجندته؛ ويتم توظيف أنشطته من أجل الدعاية للنظام وخدمة أجندته السياسية".
وأضافت أنه رغم مرور نحو سنة من تدشينه، ومطالبة النظام للقائمين عليه بضم جمعيات جديدة له، لم يكشف السيسي أو أي من أجهزة الدولة أو الجمعيات المنضمة له عن القرار أو القانون أو اللائحة التي تنظم عمله، وماهية الهيكل الإداري والمؤسسي له، ومن الذي يحدد أنشطته، وأوجه صرف أمواله، وأوجه صرف المليارات العشرة التي وجه السيسي بتخصيصها لأنشطته من موازنة الدولة خلال سنة 2022م.
لا حرية في الاختيار
وأكدت الورقة أنه ليس للمؤسسات والجمعيات المدعوة للانضمام للتحالف حرية الاختيار في القبول من عدمه؛ فالجميع مكره على الانضمام والإذعان؛ حتى أن شيخ الأزهر نفسه لم يملك رفاهية الاختيار حين دعي إلى ضم بيت الزكاة والصدقة للتحالف؛ بل أبدى الطيب أعلى صور الإذعان حين استجاب لتوجيهات القائمين على التحالف بتعيين وزيرة الاستثمار السابقة سحر نصر كمستشارة للشيخ للتطوير المؤسسي لصندوق بيت الزكاة والصدقات، ومديرة تنفيذية له، بما يعطيها الحق في مشاركة الطيب في إدارة الموارد المالية للصندوق.
وأردفت الورقة أن "نصر" أبرمت بروتوكول تعاون بين بيت الزكاة وبين صندوق تحيا مصر، يتضمن تبرع البيت للصندوق بـ105 ملايين جنيه لتطوير القرى الأكثر احتياجا، وهو ما يؤكد على مدى إصرار النظام على السيطرة على أموال النشاط الخيري.
وأوضحت أن السلطة لديها رغبة في تعويض غياب الحزب الحاكم بمركزة وتعبئة موارد الجمعيات الأهلية لصالح تحسين صورتها، هو أبرز أهداف التحالف، لا سيما وأن التداخل بين الأنشطة الخيرية وبين «الشبكات الزبونية» هو أمر قديم ومعروف.
وأكدت أن التحالف قد يكون الهدف منه هو سد فراغ عدم وجود حزب حاكم قوي له تأثير على المجتمع، ويستغل جمعيات أهلية ضخمة لها مراكز وفروع كثيرة وأموال ضخمة، لكسب ولاء سياسي لعدد أكبر من المواطنين كجزء من مواجهة فشلها في إدارة موارد الدولة على نحو صحيح.
وضع مخيف
وأشارت الورقة إلى أن الأيام والشهور المقبلة ستحمل سيناريوهات بالغة التعقيد، في ظل تضاعف أعداد الفقراء، وتضاعف احتياجاتهم لسد العجز الذي يواجهونه، بفعل تآكل قيمة الجنيه وتآكل قيمة الأجور والمرتبات إلى النصف.
وأوضحت أن هذا السيناريو يأتي بالتزامن مع تراجع قيمة التبرعات بفعل تآكل قيمة العملة أو بفعل الأزمة الاقتصادية التي تواجه قطاعات واسعة من الأثرياء والموسرين وعدم قدرة قطاعات واسعة من الطبقة الوسطى على توفير فوائض كانت تضخها لمشروعات التكافل والعمل الخيري.
وشددت على أن هذا الوضع له انعكاسات مخيفة؛ لأن الدولة من جهة ومؤسسات المجتمع المدني من جهة ثانية لن يكونوا قادرين على مواجهة التداعيات الكارثية للأزمة الاقتصادية وتضاعف أعداد الفقراء والمساكين عما كان عليه الوضع قبل 2016م.
وأردفت أن النشاط الخيري في مصر يواجه عقبات كثيرة في مرحلة ما بعد انقلاب يوليو 2013م، أبرزها الحرب التي شنها النظام على المؤسسات الخيرية التي كان يديرها الإخوان المسلمون، مظلة ضخمة كانت تمتد بامتداد القطر المصري كله تبعا لانتشار الجماعة بكثافة في جميع المحافظات المصرية.
وأضافت أن النشاط الخيري تعرض لضربة ثانية مؤلمة بسبب الأزمة الاقتصادية التي بدأت مع اتفاق النظام مع صندوق النقد الدولي في نوفمبر 2016، وما أعقب ذلك من موجات التضخم والغلاء التي لم تتوقف وانهيار قيمة الجنيه أمام الدولار وباقي العملات الأجنبية، حتى تراجعت قيمة الجنيه أمام الدولار من 8 جنيهات في (2013) إلى (30.65) في فبراير2023م.