قالت ورقة بحثية بعنوان "طبقة الفقراء الجدد.. كيف تشهد مصر تحولات اجتماعية ضخمة؟" إن "حكومة السيسي لا تملك أي تصور أو حلولا جادة يمكن أن تخفف من وقع أزمة الغذاء والتضخم والصعود الصاروخي للدولار أمام الجنيه الذي فقد نصف قيمته في 2022 فقط، في ظل اشتعال أسعار الغذاء واعتماد النظام على الاستدانة".
وأكدت الورقة، التي نشرها موقع "الشارع السياسي"، أن القروض ورفع فواتير الديون يغرق الدولة حكوما وشعبا في ورطة كبرى قد لا ينجو منها النظام ولا الشعب، في ظل تنبؤات ترجح اندلاع انفجار شعبي قد لايمكن احتواؤه أو السيطرة عليه.
حرب على المجتمع
وأشارت الورقة إلى أن السيسي يشن حربا ضارية على المجتمع ويتبنى سياسات اقتصادية تتسبب في تفاقم معدلات الفقر، وتسرّع بنقل الثروات من الطبقتين الدنيا والوسطى إلى الحكومة ونخب المال والأعمال، وهو ما يمكن أن يفضي إلى نتائج كارثية.
وأوضحت أن آثارا خطيرة في المدى الطويل تذهب أبعد من الفقر المتزايد والحرمان الاجتماعي الذي يعاني منه المواطن العادي، إذ إنه من المحتم أن يصبح هذا النظام أكثر قمعا وسلطوية فيما يستمر في فرض سياساته القاسية، وهذا بدوره سيغذي صعود المقاومة العنيفة للدولة.
مقاومة أو عنف اجتماعي
وخلصت الورقة إلى أن "هذه المقاومة حتى وإن لم تتبلور إلى إطار حركة سياسية متماسكة، فلا بد من أن يتفاقم مستوى العنف الاجتماعي، ما يفضي إلى تداعيات مزعزعة للاستقرار في المدى الطويل".
ورأت الورقة أن "الوضع في مصر مرشح للانفجار؛ لذلك خرجت تقديرات موقف داخل النظام أعدتها أجهزة سيادية تحذر من تبني الحكومة لسياسات تقليص الدعم في ظل هذه الأوضاع وأن الأمور قد تخرج عن السيطرة على نحو لا يتمكن خلالها النظام من احتواء الموقف إذا اشتعل، وتحذر التقارير من أن أي ضغوط جديدة على المواطنين قد تؤدي إلى انفلات الشارع بشكل لا يعرف مداه على وجه الدقة".
وحذرت من أن توسّع الأعمال والشركات المملوكة من الجيش يؤدي "إلى زيادة الضغوط على القطاع الخاص الاقتصادي فيما يسعى جاهدا للتنافس مع العملاق العسكري، وسوف تكون لهذا الأمر تأثيرات بنيوية طويلة الأمد على الاقتصاد والمنظومة السياسية، وهي تأثيرات يصعب العودة عن مفاعيلها وسوف تستمر على الأرجح إلى ما بعد السيسي ونظامه.".
ملخص الأزمة
ولخصت الورقة الأزمة بعدة حوادث أخيرة حيث قالت إن "جائحة كورونا أدخلت الاقتصاد المصري غرفة الإنعاش، وزجت بعشرات الملايين من المصريين إلى ما دون خط الفقر الدولي حيث يصل الفقراء في مصر إلى أكثر من 60 مليونا، بينما تراجعت دخول نحو 91.3% من القوى العاملة في مصر، وفي ظل هذه الأوضاع البائسة، تأتي الحرب الروسية الأوكرانية لتجهز على ما تبقى من قدرة لدى الاقتصاد المصري على الصمود، وفي ظل الارتفاع الفاحش في أسعار السلع الغذائية وزيادة معدلات التضخم في أعقاب انخفاض قيمة الجنيه بنحو 50% بعد ثلاثة تعويمات متتالية في مارس 22 وأكتوبر22 ويناير23م، واحتمال المزيد من ارتفاعات الأسعار وزيادة معدلات التضخم".
تفصيل خط الفقر
واهتمت الورقة في حانب منها بأوضاع المصريين في ضوء التقديرات وإن كانت غير بعيدة عن 2023، فقالت "في أكتوبر الماضي 2022 رفع البنك الدولي الخط العالمي للفقر من 1.90 دولار كحد أدنى للدخل اليومي للفرد، إلى 2.15 دولار، استنادا إلى التحول في الأسعار فيما يتعلق بالطعام والسكن والملابس والاحتياجات الأساسية للسكان في الدول النامية.
ولفتت إلى إستناد البنك الدولي في ذلك إلى أسعار سنة 2017م وليس إلى الأسعار الراهنة في 2023م والتي ارتفعت بشدة بعد جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية؛ الأمر الذي يؤدي تلقائيا إلى دخول ملايين المصريين في دائرة الفقر المدقع.
وعلى المحور المصري، أوضحت أن ذلك يعني أن الدخل اليومي للفرد الواحد على خط الفقر كان نحو (57) جنيها، أما اليوم فإن هذا الفرد يجب أن يرتفع دخله اليومي إلى (65) جنيها، فإذا كان أسرة تتكون من خمسة أفراد يتعين أن يكون دخلها نحو (5×65×30= 9750 جنيها/شهريا).
وقالت "هذه الأرقام توضح أن هذه الأسرة التي تتكون من خمسة أفراد ودخلها يلامس الـ 10 آلاف جنيه شهريا هي بالكاد على خط الفقر، فإذا زادت فردا آخر مع ثبات الدخل باتت تحت خط الفقر؛ وهذا حال عشرات الملايين من المصريين اليوم، فالحد الأدنى الرسمي للأجور في مصر هو ثلاثة آلاف جنيه شهريا في الحكومة و2.700 جنيه في القطاع الخاص".
الإحصاءات الدقيقة
وأكدت الورقة أن "الجهات الرسمية تمتنع منذ 2019م عن إصدار الإحصائيات الدقيقة بشأن معدلات الفقر في مصر، وتكشف دراسة للجهاز المركزي للإحصاء أجراها على عينة من 17 ألف أسرة في أغسطس الماضي 2022، عن شكوى 99.8% من المصريين من غلاء أسعار الأغذية، وأكدت 31.9% من الأسر بالمدن عدم كفاية الدخل للوفاء بالاحتياجات الأساسية، ترتفع إلى 37.7% للمقيمين بالريف، وتبين الدراسة أن 65.8% من الأسر تأثرت نفقاتها سلبا على السلع الغذائية وغير الغذائية، وانخفض استهلاك 74% منها على السلع الغذائية و90% انخفض استهلاكها للبروتينات من اللحوم والأسماك والطيور و50% قلت نفقاتها على خدمات النقل والمواصلات.
وفقا للدراسة، تعاني 33% من الأسر المصرية من عدم كفاية الدخل للوفاء بالاحتياجات الشهرية التي كانت تتوافر لهم قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا.
وأبرزت الورقة ترجيحات صندوق النقد الدولي، وفقا لدراسة حول آفاق الاقتصاد الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط، أصدرها في نهاية أكتوبر الماضي (2022)، زيادة معدلات التضخم بمصر في ظل استمرار تعرض المنطقة لأجواء من عدم اليقين ومخاطر حدوث تطورات سلبية تؤدي إلى تباطؤ النمو خلال عام 2023، ليصل إلى 3.6% تؤكد الدراسة ارتفاع معدلات التضخم لأسعار المستهلك في مصر من 8.5% في المتوسط العام سنويا 2022 إلى 12% لعام 2023.
كما أرشدت إلى تأكيدات خبراء الاقتصاد من أن زيادة الأسعار ستؤدي حتما إلى وقوع مزيد من الأسر متوسطة الدخل في دائرة الفقر وأخرى ستتجه إلى الفقر المدقع، في ظل استمرار تراجع قيمة الجنيه والدخول، مع ارتفاع أسعار السلع الضرورية، وعلى رأسها الغذاء والعلاج والمواصلات وخدمات التعليم، التي تمثل الجزء الأكبر من نفقات الأسر.