اتهم مقال نشرته صحيفة "إندبندنت" (The Independent) البريطانية الغرب بالتقاعس الذي تسبب في الصراع الأهلي حاليا بين الجيش بقيادة الفريق عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي. وحسب المقال الذي كتبه بورزو داراغاهي و نشرته الصحيفة فإن الغرب كانت لديه فرصة لمساعدة السودان على الانتقال من الحكم العسكري إلى الحكم المدني مع بعض مظاهر الديمقراطية، لكنه تقاعس وأصبحت الآمال في دخول البلاد حقبة جديدة لا تعكرها الصراعات ذكرى بعيدة.
المتهمون حسب المقال المنشور الثلاثاء 25 إبريل 2023م، أبرزهم جنرالات السودان وقادة جيشها وقوات الدعم السريع؛ حيث يرى أن أكبر مأساة هي أن الدولة، التي يبلغ عدد سكانها 46 مليون نسمة، ربما كانت قادرة على تجنب الفوضى والوحشية الحالية لو كان المجتمع الدولي أكثر انخراطا، أو كان الجنرالات والعسكريون الذين يقاتلون من أجل السلطة قد وضعوا رفاهية بلادهم قبل مصالحهم الخاصة، أو لو رُفدت المؤسسات المدنية في السودان بما تحتاجه لتعزيز وضعها، أو حصل قادة السودان على مزيد من الدعم من القوى الخارجية.
المتهم الثاني هو المجتمع الدولي وعلى رأسه الغرب والأمريكان، الذين فشلوا في منعطف رئيسي في مسار البلاد وأضاع الفرصة، مضيفا أن رئيس الولايات المتحدة السابق دونالد ترامب استغل في ذلك الوقت الموقف لتحقيق مكاسب سياسية خاصة به بدلا من دعم تجربة السودان الديمقراطية الهشة.
ويشرح الكاتب ذلك مشيرا إلى أن الترتيبات التي أعقبت سقوط حكومة عمر حسن البشير (إبريل 2019م) لم تكن مريحة، إذ أُجبر الناشطون وقادة المجتمع المدني على تقاسم السلطة مع الجهة نفسها التي كانت تطلق عليهم النار في الشوارع قبل أسابيع فقط، وألقي ببعضهم في السجون بسبب التعبير عن آرائهم قبل عقود. وتم تجاهل العديد من مراقبي السودان الذين حذروا من أنه لا اللواء عبد الفتاح البرهان ولا اللواء محمد حمدان دقلو (حميدتي) كانا ملتزمين بالحكم المدني، وتقديم تنازلات ديمقراطية، إلا إذا أجبرا على ذلك، وأصبح البرهان الحاكم الفعلي في البلاد. في الوقت الذي كانت الشكوك تنتاب الناشطين حول بعض الدول بالمنطقة التي ستحاول استخدام نفوذها وأموالها لمنع أي ديمقراطية حقيقية قد تكون مصدر إلهام في العالم العربي.
ويذهب التحليل إلى أن كل شيء كان مائعا في الأسابيع التي أعقبت الإطاحة بالبشير، وكانت الروح المعنوية عالية، ولم يكن بمقدور أحد أن يتنبأ على وجه اليقين بما ستؤول إليه أمور البلاد، وكان القلق الأكبر هو الاقتصاد الراكد. في هذه الأثناء أبقت واشنطن على تصنيف السودان دولة راعية للإرهاب، وذلك أخاف الشركات التي تسعى إلى الاستثمار ومنع تدفق المساعدات من المنظمات الدولية. وأوضح أن الولايات المتحدة كان بإمكانها في تلك اللحظة الحاسمة أن تزيل بسرعة تصنيف الدولة المتعلق "بالإرهاب"، وهو أمر أوقف التمويل الرئيسي الذي كان سيساعد على استقرار السودان وتقوية يد رئيس الوزراء آنذاك عبد الله حمدوك وحلفائه. وبدلا من ذلك، تأخرت بضعة أشهر، خشية أن يؤدي إلغاء التصنيف إلى الإضرار بمصالح أقارب ضحايا 11 سبتمبر.
كذلك استغلت إدارة ترامب الموقف سياسيا حين تطلعت إلى تحقيق انتصار في السياسة الخارجية قبل انتخابات عام 2020، بتوقيع السودان على "معاهدة سلام أبراهام" مع إسرائيل قبل شطب البلاد من القائمة، كما أُجبر السودان في النهاية على دفع 335 مليون دولار تعويضا لضحايا هجمات 1998 و2000 التي ارتبطت بالنظام الذي أطاح به الشعب للتو. وتعرض الاقتصاد السوداني لمزيد من الضرر تحت وطأة قيود كوفيد العالمية، واستمرار الفساد وسوء الإدارة تحت إشراف الجنرالات وأعوانهم، وتفاقمت السخرية من الديمقراطية.
في ذات السياق، فيما يتعلق بعزم الإدارة الأمريكية فرض عقوبات على أطراف القتال في السودان، حسب ما أوردت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، يرى كبير الباحثين في المركز الأفريقي بالمجلس الأطلسي كاميرون هادسون في حديثه لحلقة الأحد 23 إبريل من برنامج "ما وراء الخبر" على شاشة الجزيرة الإخبارية، أن هذه العقوبات كان يجب فرضها على قائد قوات الدعم السريع في يونيو/حزيران 2019، عندما تعرّض للحركة المدنية بمساعدة الحلفاء الروس، وعلى البرهان عندما قاد انقلابه، لكن فرضها في الوقت الحالي قد يعطيهما فرصة للاستمرار في الاقتتال بينهما، لأنهما يريدان تدمير بعضهما.
وينفي هادسون وجود نقاشات في واشنطن حول مسألة انخراط الجيش الأميركي في القتال الدائر بالسودان، مؤكدا أن تركيز البيت الأبيض حاليا ينصب على حمل البرهان وحميدتي على وقف إطلاق النار والعمل على إخراج العاملين في السفارة الأميركية، بالإضافة إلى منع حصول قوات الدعم السريع على دعم خارجي، وقال إن هذه القوات هي مليشيا وقوات متمردة في الأصل، وستحاول التواصل مع مجموعات متمردة في دول الجوار.
ويقرّ الضيف الأميركي ، بأن بلاده ساعدت في صياغة الاتفاق الإطاري بالسودان، وأن الخطأ الذي كان في هذا الاتفاق هو أنه جعل الطرفين -الجيش السوداني وقوات الدعم السريع- على قدم المساواة، وهو ما زاد من مشروعية قوات حميدتي في الوقت الذي كان يفترض فيه أن يعاقب على جرائمه السابقة، على حد قوله.
ويذهب مدير مركز جنيف للأمن والدراسات الإستراتيجية بأفريقيا ديفيد أوتو أندلي، أن الحديث عن وقف إطلاق النار في السودان يبقى مجرد كلام، لأن الطرفين المتصارعين كل منهما يتمسك بموقفه ويسعى إلى تعزيز نفوذه وسيطرته، وقال إنه يصعب على الاتحاد الأفريقي استخدام أوراق الضغط التي بيده في هذه الفترة، وإن العقوبات أيضا لن تجدي نفعا. وكشف عن أفكار وحديث يجري عن إمكانية إرسال قوات لفرض السلام في السودان، تفصل بين الطرفين المتقاتلين، لكنه حذر من أن نشر قوات أجنبية سيعرض حياة الناس للخطر.