أعلنت وزارة الداخلية بحكومة الانقلاب إنشاء سجن جديد بمدينة برج العرب في محيط اختصاص مديرية أمن الإسكندرية، بحسب القرار رقم 1776 لسنة 2023 المنشور بالجريدة الرسمية في الخميس 14 سبتمبر الجاري “2023”، ليرتفع عدد السجون المركزية في مصر إلى 169 سجنًا. وفي يونيو 2023م، أصدر وزير الداخلية بحكومة الانقلالب اللواء محمود توفيق، القرار رقم 1042 لسنة 2023، والذي يقضي بإنشاء 6 سجون جديدة بمدينة 15 مايو في محافظة القاهرة، تحت مسمى “مراكز إصلاح وتأهيل عمومية”، تُنفّذ فيها العقوبات المقيدة للحرية.
وخلال سنة 2021، أصدر السيسي عدة قرارات جمهورية بإنشاء نحو 20 سجنا بعضها ضخم للغاية ليسع عشرات الآلاف من المعتقلين. بالتزامن مع إنشاء هذه السجون، حددت «الداخلية» 12 سجنًا يتم إفراغها في المجمع الجديد بوادي النطرون، وهي: (استئناف القاهرة -ليمان طرة -القاهرة بطرة -بنها -الإسكندرية -طنطا العمومى -المنصورة -شبين الكوم -الزقازيق-دمنهور القديم -معسكر العمل بالبحيرة -المنيا العمومى)، وأوضحت الوزارة في بيانها أن موازنة الدولة لن تتحمل أية أعباء لإنشاء وإدارة مراكز الإصلاح والتأهيل لأن القيمة الاستثمارية لمواقع السجون العمومية المقرر غلقها(تقع في مناطق سكنية متميزة) تفوق تكلفة إنشاء تلك المراكز. معنى ذلك أن الحكومة كانت مدفوعة أيضا بأسباب اقتصادية في بناء هذه السجون بالمناطق الصحراوية البعيدة عن العمران لإفراغ السجناء بالسجون الموجودة بوسط المدن في غالبية المحافظات على مستوى الجمهورية فيها للاستفادة ماليًا من أراضي السجون القديمة التي تطل معظمها على النيل.
الوزارة بهذه الخطوة تحقق هدفين: الأول تعزيز استثمار وزارة الداخلية عبر استثمار أراضي السجون القديمة التي تقرر إخلاؤها وتقع على النيل أو بمناطق مميزة للغاية بالمحافظات الأخرى، والتي تقدر بنحو 50 مليار جنيه، وذلك في سياق الصراع بين الأجهزة على المكاسب والعوائد الاقتصادية في مشروعات الدولة، والتي يحظى فيها الجيش بنصيب الأسد، بينما يتم حاليا ترضية جهاز المخابرات في اعقاب التعديلات التي تمت على قانون الجهاز مؤخرا، وترضيته بعدة مشروعات ضخمة بمدينة العلمين الجديدة بالساحل الشمالي. والهدف الثاني سياسي، يتعلق بتعزيز قدرة النظام القمعية بإنشاء هذا العدد الهائل من السجون القادرة على استيعاب مئات الآلاف من المعتقلين السياسيين.
“169” سجنا
وحسب ورقة بحثية صادرة في فبراير 2022 عن مؤسسة “مبادرة الإصلاح العربي”، وهي مركز أبحاث مقره باريس، تحدد المادتان الأولى و«الأولى مكرر» من قانون تنظيم السجون رقم 396 لسنة 1956 أنواعها بأنها الليمانات، العمومية، السجون المركزية، السجون الخاصة، إضافة إلى أي مكان يصدر قرار من وزير الداخلية بإحالته إلى سجن. وتتبع الليمانات والسجون العمومية مصلحة السجون بعدد إجمالي 49 سجنًا، فيما تتبع الأنواع الأخرى مديريات الأمن المختلفة بإجمالي 169 بحساب السجن الجديد، ولا يشمل الحصر أماكن الاحتجاز الملحقة بالمراكز والأقسام ونقاط الشرطة أو إدارات البحث الجنائي.
ويكشف تقرير الإصلاح العربي حصر 24 قرار تخصيص أراضٍ لإنشاء سجون تابعة لمديريات الأمن، في الفترة من 2013 إلى 2021، لإنشاء 31 سجنًا. وحسب موقع”مدى مصر”، قدر رئيس مصلحة السجون السابق، اللواء مصطفى باز، في 2013 القدرة الاستيعابية للسجون الموجودة بـ75 ألف سجين، كان ذلك قبل إضافة نحو 30 سجنًا جديدًا، من بينها سجنان تبلغ القدرة الاستيعابية للواحد 15 ألف سجين، بحسب تقرير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان الصادر في أبريل 2021، فيما قدر التقرير نفسه أعداد السجناء في 2021 بنحو 120 ألف سجين ومحتجز احتياطيًا، من ضمنهم نحو 65 ألف سجين سياسي، بينهم 26 ألف محبوس احتياطيًا. وكلفت السجون التابعة لمصلحة السجون وحدها موازنة 2020-2021 نحو 2 مليار و186 مليون جنيه، لا تشمل تكلفة مخصصات إنشاء السجون الجديدة، بحسب تقرير «الإصلاح العربي».
تصاعد الانتهاكات
ويترافق افتتاح السجن الجديد مع تصاعد حدة الانتهاكات داخل السجون ومقار الاحتجاز المصرية، لا سيما ضد المعتقلين على خلفية سياسية، وفي ظل تزايد أعداد الوفيات بين السجناء من جراء الإهمال الطبي المتعمد، وتجاهل السلطات مطالب المحتجزين واستغاثات ذويهم حيال ضرورة تلقيهم الرعاية الطبية اللازمة، فضلاً عن تكدس أعداد كبيرة من المحتجزين داخل زنازين ضيقة.
ويرى خلف بيومي مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان أن التوسع في بناء سجون جديدة يكشف عن نية الدولة توسيع دائرة ملاحقة المواطن المصري سواء كان جنائياً أو سياسياً”. ولفت إلى أن الميزانية التي ضُخت لبناء السجون تحتل مرتبة عالية في ميزانية الدولة، ولا تساوي ولا تضاهي الميزانية التي وُجهت لبناء المستشفيات أو المدارس، في الفترة نفسها، من أجل الحفاظ على الحق في الصحة وفي التعليم، باعتبارهما من الحقوق الأساسية التي تسعى أي دولة متقدمة حديثة للحفاظ عليها.
وتقول الباحثة الحقوقية سارة حمزة، وهي عضو حملة “حتى آخر سجين”، إن “الإشكالية ليست في إنشاء السجون الجديدة، ولكن في العقلية الأمنية ذاتها التي تدير السجون، على سبيل المثال، قيل لبعض الأهالي إن إدارة سجن بدر 3 هي نفس إدارة سجن العقرب بمنطقة طرة”.
ويرى الحقوقي والمحامي المصري جمال عيد، أن “الغرض من بناء السجون الجديدة، قد يكون لسببين، الأول هو زيادة أعداد السجناء والمعتقلين، وهذا الأمر يشير إلى أكذوبة الانفراجة السياسية، والثاني، رغبة الدولة في الاستيلاء أو استثمار أراضي سجون قديمة في منطقة مميزة ومن الممكن أن تُباع بسعر مرتفع”. وأوضح عيد “أن بناء سجون جديدة بدلاً عنها في أماكن نائية يزيد من معاناة المعتقلين وسجناء الرأي، ومعاناة أسرهم، وفي الحالتين لا آمل خيراً من هذه القرارات”.
وتتغاضى وزارة الداخلية بحكومة الانقلاب عن نشر أعداد المسجونين منذ أكثر من ثلاثة عقود، بالإضافة إلى غياب المعلومات المتاحة عن أوضاع المساجين. وتؤكد تسريبات المعتقلين السياسيين أن التعذيب بات أشد قسوة في السجون الإلكترونية الحديثة؛ وتدهور أوضاع حقوق الإنسان هو السلوك الغالب على تعامل الداخلية حتى وصل الأمر ببعض المساجين إلى محاولة الانتحار داخل السجون الجديدة التي افتتحتها «الداخلية» في الفترة الماضية واحتفت بها كـ«أماكن احتجاز مثالية»، وكان آخرهم الشاعر جلال البحيري الذي تم إنقاذه ـ في سبتمبر الجاري 2023 ـ بعمل غسيل معدة بعد محاولة انتحار احتجاجا على الظلم الواقع عليه وسوء المعاملة داخل السجن. وبلغ عدد القتلى بالإهمال الطبي داخل السجون في سنة 2023 نحو 27 معتقلا حتى منتصف سبتمبر.
وأشار عدد من أهالي المحتجزين في تلك السجون الجديدة إلى أن التجهيزات التكنولوجية التي تتمتع بها تُستخدم كوسائل لانتهاكات حقوق المساجين بدلًا من تحسين ظروف احتجازهم، إضافة إلى استمرار بعض الانتهاكات الأخرى المعتادة (مثل المنع من الزيارة أو الحرمان من التريض، أو تدني الرعاية الصحية)، والتي لم تتغير مع انتقال المحتجزين إلى هذه السجون الجديدة. بينما وصفت منظمات حقوقية «بدر»، وهو أحد السجون الجديدة، بـ«جوانتانامو» وذلك في إطار توثيقها وفاة ثلاثة سجناء به خلال الشهرين الماضيين بسبب عدم تلقيهم الرعاية الصحية اللازمة.