تأحيل الخراب الكبير لمصر لما بعد مسرحية الانتخابات: تعويم وتضخم وبيع أصول

- ‎فيتقارير

 ما يعايشه المصريون من غلاء  فاحش، وانفلات سعري لكل شيء، وعدم كفاية الرواتب والأجور  لسد رمق الأسر، والذي بات يضرب كل البيوت والأوساط المصرية، خلال الأيام الأخيرة ومنذ نحو عامين، يعده مراقبون وخبراء اقتصاديون أنه جنة ونعيم، بالمقارنة لما ستكون عليه الأوضاع والأسعار بعد مسرحية الانتخابات الرئاسية الجارية حاليا، والتي ستنتهي مع أيام السنة الجديدة الأولى، وذلك لما ينتظر مصر من استحقاقات اقتصادية ممدمرة، وفق اقتصاديين.

إذ يؤجل السيسي التعويم الجديد والأكبر للجنيه، إلى ما بعد انتهاء المسرحية، طلبا لاستقرار شعبيته المتوهمة، والتي لا تعتمد سوى على قهر أمني وحشد عمالي من قبل رجال الأعمال المستفيدين من بقاء السيسي، وكراتين ورشى انتخابية  لابتزاز إرادة المواطن الغلبان.

وفي هذا السياق، قالت وكالة “بلومبيرج”  أمس الأربعاء: إن “مصر نفذت منذ يوليو الماضي أحد شروط برنامج الإصلاح الاقتصادي للحصول على قرض صندوق النقد الدولي وهو تسريع بيع الأصول المملوكة للدولة، إلا أنها أبطأت تنفيذ شرط تحقيق مرونة حقيقية في سعر صرف الجنيه”.

 

ووفق الوكالة فإن التحرير الرابع لسعر صرف الجنيه سيتم بعد الانتخابات الرئاسية المقررة في ديسمبر المقبل، مما يمهد الطريق لموافقة مجلس إدارة صندوق النقد الدولي على المراجعة، ومن ثم صرف شرائح القرض.

 

وقال فخري الفقي، رئيس لجنة الخطة والموازنة في البرلمان لشبكة “سي إن بي سي” عربية الثلاثاء الماضي: إن “مصر استجابت لما يقرب من 80% من طلبات الصندوق، وما تبقى هو مرونة سعر الصرف الأجنبي“.

 

ويسعى صندوق النقد هذه المرة وفقا للوكالة الأميركية، إلى شيء أقرب بكثير إلى المرونة الحقيقية التي تعكس العرض والطلب، بما يتماشى مع نص الاتفاق الذي تم التوصل إليه في أكتوبر الماضي، بدلا من تخفيض مُدار آخر لقيمة الجنيه.

وتوقعت الوكالة أنه مع ارتفاع التضخم إلى مستوى قياسي، فإن مصر لن تخفض قيمة العملة قبل الانتخابات الرئاسية في ديسمبر المقبل.

لكن “بلومبيرج” أشارت في الوقت ذاته، إلى أن مصر لا تملك الوسائل اللازمة للحفاظ على الوضع الراهن لفترة أطول، وبعد التصويت على الانتخابات، إما أن تسمح السلطات للجنيه بالضعف، أو تفرض قيودا صارمة على الاستيراد.

 

 

وقد تم بالفعل تخفيض قيمة العملة ثلاث مرات وفقدت نصف قيمتها منذ أوائل عام 2022، مما أدى إلى ارتفاع معدل التضخم السنوي إلى مستوى قياسي بلغ 37.4%.

 

ووفق خبراء، فإن تأخير التعويم الجديد للجنيه لما بعد الانتخابات الرئاسية، قد يدفع صندوق النقد للجمع بين المراجعات الأولى التي كانت مقررة مارس الماضي ، والثانية التي كانت مقررة في سبتمبر الجاري، والثالثة في الربع الأول من عام 2024.

 

ولم تتم حتى الآن المراجعة الأولى لبرنامج مصر، المتوقع إجراؤها في شهر مارس 2024، وهو ما يمثل تأخيرا كبيرًا بالنسبة لحكومة أصبحت شبه محرومة من الوصول إلى أسواق رأس المال في الخارج وغير قادرة الآن على الوصول إلى الشريحة التالية من قرض صندوق النقد الدولي.

 

 

وتسعى مصر للحصول على دفعة ثانية من برنامج التسهيل الائتماني الممدد، الذي توصلت إليه مع صندوق النقد الدولي قبل نهاية العام الماضي، وتصل قيمته الإجمالية إلى 3 مليارات دولار على 4 سنوات، لم تتلق منها سوى 347 مليون دولار قبيل نهاية 2022.

 

بيع الأصول

 

جانب آخر من الخراب الذي يديره السيسي، هو بيع الأصول، الذي سرعت الحكومة وتيرته  منذ يوليو الماضي، وهو ما اعتبره الصندوق مؤشر جدية من السلطات في تنفيذ هذا البند من البرنامج المتفق عليه.

 

وأعلنت الحكومة في يوليو أنها ستبيع أصولا بقيمة 1.9 مليار دولار لشركات محلية بينها صفقات لصندوق أبو ظبي للثروة (ADQ)، رغم أنها لم تحصل بعد على جميع الأموال.

 

وفي وقت سابق من 30% من أكبر شركة سجائر في مصر إلى مستثمر إماراتي مقابل 625 مليون دولار.

 

وأشارت الوكالة إلى أن “عمليات بيع الأصول ستعزز سيولة الدولار، لكنها لن تكون كافية لتلبية الطلب على العملة بالكامل“.

ونقلت “بلومبيرج” أن السلطات المصرية تستكشف خيارات متعددة لجمع الدولارات، بما في ذلك أنواع جديدة من السندات التي يمكن أن تكون جذابة للمستثمرين.

ومن تلك السندات، إصدارا جديدا من سندات “ساموراي” في السوق اليابانية، وذلك بقيمة 500 مليون دولار بالين الياباني لأجل 5 سنوات، كما وافق بنك التنمية الأفريقي على ضمان تغطية ائتمانية بقيمة 345 مليون دولار من أول إصدار لمصر من سندات الباندا المقومة باليوان الصيني، بقيمة إجمالية تصل إلى 500 مليون دولار.

 

وتواجه مصر فجوة تمويلية تراكمية تقدر بأكثر من 11 مليار دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة، وفقا لمجموعة ” جولدمان ساكس“.

وتصنف “بلومبيرج إيكونوميكس” مصر في المرتبة الثانية بعد أوكرانيا بين الدول الأكثر عرضة لتخلف مدفوعات الديون.

 

ومع استمرار الانهيار الاقتصادي المتجذر في مصر، إثر سياسات السيسي الفاشلة، فإن من يدفع الثمن هو المواطن المصري البسيط، من غلاء وبطالة وندرة للسلع والدواء وارتفاع تكاليف المعيشة بصورة قاتلة، تدفع المواطنين نحو الانتحار أو السرقة والنهب أو الموت كمدا، فيما السيسي ونظامه ومنتفعوه وأجهزته يرتعون في النعم والرفاهية والقصور، بلا حسيب أو رقيب، ومن يجرؤ من الشعب على الاعتراض يكون جزاؤه القهر والاعتقال أو القتل سجنا أو إزهاق روحه في الشوارع وفي أقسام الشرطة والمعتقلات، وهو ما يستوجب التوقف عنده كثيرا قبل المشاركة في مسرحية الرئاسة، بحرمان السيسي من المرة الثالثة، كي يستعيد الشعب قراره مجددا.