في حين قدّر رئيس المجلس التصديري للصناعات الكيماوية والأسمدة، خالد أبو المكارم، حجم صادرات القطاع خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي بنحو 5 مليارات دولار، تفاقمت مؤخرًا أزمة نقص الأسمدة الزراعية، حيث أدى هذا النقص في المعروض من الأسمدة خاصة الآزوتية منها إلى ارتفاع أسعارها إلى نحو غير مسبوق، وذلك إثر نقص ضخ الغاز لمصانع الأسمدة الذي شهدته مصر في شهر يونيو الماضي.
وأدى تصدير الكيماويات لارتفاع أسعار الأسمدة في مصر إلى مستويات تاريخية مع ندرة في المعروض من جميع الأنواع مما سبّب رفعا متكررا لتكاليف إنتاج المحاصيل الزراعية مهددا بخسائر فادحة للمزارعين، إضافة لفرض أعباء جديدة على قطاعات كبيرة من المواطنين، خاصة محدودي الدخل.
ويشكو عدد من أصحاب الأراضي الزراعية من عدم صرف حصص موسم الزراعات الصيفية من الأسمدة المدعمة التي قفز ثمنها في السوق الحر بما يقارب 3 أضعاف خلال أشهر، بعد تراجع شركات الإنتاج عن طرح منتجاتها للجمعيات الزراعية والبنك الزراعي بسبب أزمة نقص الغاز الطبيعي وتصدير الأسمدة والكيماويات على حساب الفلاح.
نقص الأسمدة والكيماويات
ومن جهته يشير الدكتور يحيى متولي خليل أستاذ الاقتصاد الزراعي بالمركز القومي للبحوث، إلى نقص المعروض من الأسمدة وارتفاع أسعاره بين حين وآخر.
ويوضح خليل أن مصر ليس لديها أزمة في إنتاج الأسمدة في العموم عدا الأزمة الأخيرة المتعلقة بنقص ضخ الغاز الطبيعي لمصانع الأسمدة، حيث تتمتع مصر بإنتاج يكفي السوق المحلية لكن التصدير أحد أسباب الأزمة، وبالتالي يجب أولا إجراء دراسة حقيقية لاحتياجات السوق المحلي من الأسمدة على أن تكون الأولوية للسوق المحلية لتوفير الأسمدة، حتى لا يتأثر الإنتاج الزراعي والذي قد يهدد الأمن الغذائي في مصر.
ويؤكد خليل أن هناك عوامل أخرى تؤثر على ارتفاع سعر الأسمدة في مصر منها ارتفاع سعر الوقود، والذي يؤثر على ارتفاع أسعار النقل التي تؤثر بالطبع على ارتفاع سعر الأسمدة.
تأثر السلع الغذائية
وقالت الدكتورة سهام مروان أستاذة الاقتصاد الزراعي بجامعة عين شمس: إن “ارتفاع أسعار الأسمدة في مصر بسبب نقص المتداول في السوق بسب التصدير وغيره سيؤدي إلى رفع أسعار السلع الغذائية خلال الفترة المقبلة، خاصة مع رفع أسعار الوقود مؤخرا مما سيؤثر على تكاليف النقل ومن ثم رفع أسعار المنتجات بشكل عام”.
وأوضحت أن مصر بها ثلاثة أنواع من الأسمدة الأسمدة الفوسفاتية وتنتجها مصر بنسبة 100% والأسمدة النيتروجينية الأكثر استخداما في مصر وتنتجها أيضا مصر بنسبة 100% وتصدر منها في حين تستورد الأسمدة البوتاسية بنسبة 100%.
ارتفاع الأسعار في السوق السوداء
ومن جانبه يقول الدكتور خالد أبو المكارم رئيس المجلس التصديري للصناعات الكيماوية والأسمدة: إن “أسعار الأسمدة ارتفعت في السوق الحرة بنحو 54% بسبب أزمة نقص الغاز خلال شهر يونيو الماضي، لتصل إلى 27 ألف جنيه للطن مقابل 13 ألفًا في مايو”.
وأوضح أبو المكارم أن الحكومة تلزم منتجي الأسمدة بتوريد 55% من إنتاجهم بسعر مدعم إلى وزارة الزراعة المصرية لتغطية احتياجات السوق المحلية مقابل السماح لهم بتصدير الكميات المتبقية، لافتا إلى أن هناك فروقا سعرية بين سعر السماد المدعم وسعر السماد الحر، حيث يحصل المزارعون المصريون على حصص موسمية من الأسمدة بأسعار مدعمة، وهى حوالي 4800 جنيه للطن حاليا، إذ تقوم وزارة الزراعة بتوزيع هذه الحصص من خلال الجمعيات التعاونية، ومع ذلك وبسبب محدودية الكميات المخصصة من الأسمدة المدعمة يلجأ العديد من المزارعين إلى شراء كميات إضافية من السوق الحرة لتلبية احتياجاتهم والتي تمثل السعر الحقيقي للسماد، وبالتالي يكون هناك فارق بين السعر المدعم والسعر العالمي أو الحر مع ارتفاع تكلفة إنتاج الأسمدة في المصانع خلال الفترة الأخيرة.
وأكد رئيس المجلس التصديري للصناعات الكيماوية والأسمدة أن هناك رغبة من المنتجين للوصول إلى أسعار تعكس التكاليف الفعلية للإنتاج وتتيح لهم أرباح معقولة وأنه لتحقيق هذا الهدف يجب الاعتماد على التوازن بين سياسات الدعم الحكومي والقدرة الشرائية للمزارعين المحليين، كما ينبغي تحسين الكفاءة في الإنتاج وتبني تقنيات جديدة، مما قد يساعد خفض تكاليف الإنتاج، وبالتالي تقليل الحاجة للدعم الحكومي.
واختتم أبو المكارم حديثه بأنه يوصي بضرورة تحسين الكفاءة عبر الاستثمار في التقنيات الحديثة لزيادة كفاءة الإنتاج وخفض التكاليف مع إعادة النظر في سياسات الدعم الحكومي لضمان توازن بين توفير الأسمدة بأسعار معقولة، ودعم المنتجين فضلا عن ضرورة تعزيز التعاون مع الدول الأخرى لتبادل الخبرات والتقنيات والسماعدة في استقرار الأسواق.
توقف 4 أكبر شركات أسمدة
على وقع أزمة نقص طاقة طاحنة تشهدها مصر وتوقف بعض مصادر إمداد الغاز من دولة الاحتلال، خرجتة مصانع أكبر 4 شركات محلية منتجة للأسمدة والمواد الكيماوية عن العمل، ما سبب صدمة لبعض الأسواق، وسط مخاوف من تأثير التوقف على قطاعات إنتاج عديدة وسلع هامة.
وأعلنت شركة أبوقير للأسمدة، وقف العمل والإنتاج بمصانعها الثلاثة بسبب توقف إمدادات الغاز الطبيعي، كما تبعه إعلان شركة “سيدي كرير” للبتروكيماويات توقف مصانعها لذات السبب، فيما أعلنت الأربعاء، شركة مصر لإنتاج الأسمدة “موبكو” توقف مصانعها الثلاثة، تلتها شركة “كيما” بأسوان (جنوب)، في 4 بيانات متشابهة وخلال مشهد دراماتيكي له تبعاته، وفق مراقبين.
ولفت موقع “الشرق مع بلومبيرغ”، إلى أن “أبوقير للأسمدة” مُهددة بخسارة 59 مليون جنيه يوميا، نتيجة لتوقف مصانعها الثلاثة بسبب انقطاع إمدادات الغاز، ملمحا إلى أن إيرادات الشركة العام الماضي بلغت 21.56 مليار جنيه.
“أزمة المزارعين”
ونزلت تلك الأخبار كالصاعقة على ملايين المزارعين المصريين، معربين عن مخاوفهم من ارتفاع جديد لن يتحملوه في أسعار الأسمدة والمواد الكيماوية والنتروجينية والأزوتية.
ووصل سعر شيكارة السماد اليوريا الأكثر استخداما في المزروعات وخاصة الصيفية مثل الذرة والأرز، إلى نحو 1300 جنيه للشيكارة الواحدة، ما يعني أزمة كبيرة وخسارة في الانتاجية وارتفاع بأسعار السلع الزراعية الآن، وفي المحاصيل الجديدة عقب الحصاد.
وفي تحذير أطلقه الخبير الاقتصادي الدكتور هاني توفيق قال فيه: إن “استمرار التصدير، سيؤدي إلى تضخم مزدوج ينتج من ارتفاع سعر السماد، ومن انخفاض الإنتاجية للفدان، وبالتالي سعر المحاصيل”.
الأزمة في البرلمان
وكان النائب خالد أبو نحول، عضو مجلس نواب الانقلاب، قد تقدم طلب إحاطة، بشأن أزمة نقص الأسمدة في قنا، مؤكدا أنها تهدد بانهيار المحاصيل الزراعية.
وقال النائب في طلب الإحاطة: إن “أزمة الأسمدة الكيماوية التي تفجّرت في قنا وقد تمتد إلى الكثير من محافظات الصعيد، وهي تلك الأسمدة المخصصة للمزارعين أصحاب الحيازات الزراعية المسجلة بالجمعيات التعاونية الزراعية بقنا، مشيرا إلى أن الأزمة تتمثل في ضعف الكميات الواردة من مصانع الأسمدة للمزارعين على مدار الأسابيع الماضية، وهو ما أدى إلى تفاقم أسعار الأسمدة بالسوق الحر، ووصول سعر جوال السماد الكيماوي 800 إلى ألف جنيها”.
ونوه إلى أن ارتفاع السعر ونقص الأسمدة في الجمعيات الزراعية وعدم توافرها للمزارعين، ونقص توريدها من المصانع للمحافظة، سبّب في خلق سوق سوداء قد تتوسع الفترة المقبلة، موضحا أن المزارعين في المحافظة عبروا عن غضبهم الشديد، بسبب أزمة نقص الأسمدة الكيماوية بالإضافة إلى أن تأخر تسليم الأسمدة الكيماوية المخصصة للمزارعين يهدد بسقوطها عنهم وعدم حصولهم على الأسمدة الخاصة بهم، لأن الأسمدة لها مواعيد محدده، في حالة لم يحصل المزارع على السماد الخاص به خلال المدة المحددة سقط عنه نهائيا في الحصول عليها، وبالتالي يؤثر على الإنتاجية على مستوى جميع المحاصي
دودة الحشد لا تجد من يوقفها
مثلت دودة الحشد واحدة من أبرز الأزمات التي تواجه الفلاح المصري والمحاصيل خلال الأونة الأخيرة، ما شكل أزمة وانخفاضا ملحوظا في الإنتاجية وتزايد معاناة الفلاحين وسط أزمة نقص الأسمدة وارتفاع أسعارها خلال الفترة الماضية والذي أثر بدوره على ارتفاع الأسعار وقلة المعروض من المحاصيل الزراعي.
شهدت المحاصيل الزراعية أزمة غير مسبوقة بسبب انتشار دودة الحشد الخريفية، وهو ما أثار قلق المزارعين والمختصين في المجال الزراعي، هذه الدودة، التي تعتبر من الآفات الزراعية المدمرة، تتسبب في أضرار جسيمة لمحصول الذرة، مما يؤدي إلى انخفاض كبير في الإنتاجية، في ظل عدم وجود المبيدات اللازمة لمكافحتها.
قال زهير ساري من جمعية الإصلاح الزراعي: إن “الأزمة تتفاقم بسبب نقص الغاز الذي تعاني منه المصانع، ما يؤدي إلى تقليص كميات المبيدات المنتجة”.
وأكد ساري أن بعض المصانع لا تلتزم بالحصة المقررة للمزارعين وتفضل تصدير الأسمدة إلى الخارج لزيادة أرباحها، مما يؤدي إلى نقص كبير في الأسواق المحلية.
تعد صناعة الأسمدة، إحدى الصناعات الاستراتيجية المهمة في مصر، لأهميتها المتعلقة بالزراعة، بالإضافة إلى عائداتها التصديرية الدولارية، فقد بلغ إجمالي الإنتاج المصري من الأسمدة في عام 2023 ما يقرب من 8 ملايين طن نيتروجينية، و4 ملايين طن فوسفاتية، حيث تحتل مصر المرتبة السابعة عالميا في إنتاج اليوريا، فيما تأتي الأسمدة في المركز الثاني بين الصادرات المصرية بقيمة 3.4 مليارات دولار، وفقا لبيانات مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري.