تصاعدت الانتقادات الشعبية لقانون الإجراءات الجنائية الذي أعلنت عنه حكومة الانقلاب، ووافق عليه مجلس نواب السيسي، بسبب ما يتضمنه من انتهاكات حقوقية وقانونية، بل وأخلاقية بجانب أنه يعطي سلطات أمن الانقلاب الحق في اعتقال أي شخص دون توجيه أي اتهام بجانب عدم مواجهة ظاهرة تدوير المعتقلين، أي بعد انتهاء فترة الحبس الاحتياطي يتم اعتقال الشخص المعتقبل من جديد وتوجيه اتهامات جديدة له رغم أنه لم يخرج من السجن .
ووصف مواطنون نظام الانقلاب الدموي بقيادة عبدالفتاح السيسي بأنه نظام قمعي استبدادي لن يمنح المواطنين حقوقهم، مشيرين إلى أنه لا يعمل من أجل إصلاح حقيقي، وإنما يجري تعديلات هامشية على قانون الإجراءات الجنائية، استجابة للضعوط الدولية التي تتعلق بملفه الكارثي في انتهاكات حقوق الإنسان.
كانت 7 مؤسسات حقوقية قد وصفت مزاعم سلطات الانقلاب بشأن تعديل مدة الحبس الاحتياطي، بأنها غير مجدية، في ظل غياب خطوات عملية موازية تضمن إنهاء الممارسات الأمنية التعسفية بحق المواطنين واستقلال القضاء وسلطات التحقيق والنيابة العامة.
حملة دعائية
وقالت المنظمات، في بيان مشترك: إن “حل هذه الإشكالية يتطلب إرادة سياسية ما تزال غائبة، مؤكدة أن ميلشيات أمن الانقلاب تواصل التنكيل بالمعارضة والمجتمع المدني، واحتجاز الصحفيين والسياسيين والمدونين على خلفية اتهامات مختلقة ومكررة، ويتم حبسهم احتياطيًا دون تحقيق موضوعي، أو فرز للأدلة، ويزج بهم في السجون”.
وانتقدت تحايل سلطات أمن الانقلاب على المدة القصوى المقررة للحبس الاحتياطي، من خلال إدراج المحتجزين على ذمة قضايا جديدة وبالاتهامات نفسها، فيما يعرف بظاهرة (التدوير) معتبرة أن أزمة الحبس الاحتياطي تتجاوز بشكل كبير مسألة مدة العقوبة.
وأكدت المنظمات أن هذه الظاهرة تحمل ثلاثة أوجه أساسية جديرة بالتغيير، حيث يُستخدم الحبس الاحتياطي كأداة للتنكيل بالمعارضين، ويجدد الحبس الاحتياطي بشكل تلقائي ولفترات طويلة، في كافة القضايا الخاصة بالمعارضين بعدما توجه لهم اتهامات لا تستند لأي أدلة، وتُخضعهم لجلسات تحقيق صورية وروتينية.
واتهمت النيابة العامة بعدم القيام بدورها/ حيث تعتمد في هذه القضايا على التحريات الأمنية، وتتقاعس عمدًا عن مباشرة دورها في التحقيق وفحص الاتهامات والأدلة، موضحة أن الانتهاك الأكثر فجاجة هو الضرب بعرض الحائط بالحد الأقصى لمدة الحبس الاحتياطي المحددة قانونًا بعامين، وتمديد حبس المتهمين لمدد طويلة دون أي سند قانوني.
وكشفت المنظمات أنه في هذه القضايا، تتغاضى دوائر الجنايات عمدًا عن أبسط مهامها، وهو احتساب مدة الحبس الاحتياطي التي قضاها المعتقل والإقرار بأنه تجاوز المدة القانونية وعلى النيابة العامة إخلاء سبيله، موضحة أن تقليص مدة الحبس الاحتياطي في القانون أمر مطلوب، إلا أنه لن يحل مشكلة متفاقمة تتمثل في تغول أجهزة أمن الانقلاب وتعديها على القانون وعلى استقلالية ونزاهة القضاء.
ووصفت تعديلات قانون الاجراءات الجنائية وتقليص مدة الحبس الاحتياطي، بأنها مجرد حملة دعائية لنظام الانقلاب، تعلن فيها مؤشرات وهمية تدعي بها تحسن أوضاع حقوق الإنسان في مصر، قبل الاستعراض الدوري الشامل لملفها الحقوقي أمام الأمم المتحدة في يناير المقبل .
أنظمة استبدادية
حول هذه الانتهاكات قالت مريم عادل، ناشطة حقوقية: “نحن نعيش في حالة من القمع في زمن انقلاب السيسي”.
وأكدت أنه لا يمكن أن يتحقق أي تقدم بدون حرية التعبير معربة عن أسفها، لأن الكثير من المصريين يقضون حياتهم في السجون بسبب معارضتهم لأنظمة قمعية استبدادية ودون جريمة ارتكبوها.
وكشفت أم خالد، ربة منزل، عن تجربة إحدى صديقاتها التي اعتُقلت بسبب مشاركتها في مظاهرة معارضة لنظام السيسي .
وأكدت أم خالد، أن صديفتها لم ترتكب أي جريمة، لكنها تعرضت للاعتقال والتعذيب في سجون الانقلاب، مشددة على أن هذا أمر غير مقبول بأي شكل من الأشكال.
واعتبر الدكتور سامي مرسي، أستاذ العلوم السياسية، أن الاحتقان السياسي يشكل تحديًا حقيقيًا، مشيرا إلى أن حالة من الاستقطاب تتزايد، في اللحظة التي تتجاهل فيها حكومة الانقلاب المطالب الشعبية وتفتح المجال أمام تعزيز الانقسام .
وأكد مرسي أن المصريين فقدوا الثقة في مؤسسات الانقلاب، ويبحثون عن شمعة أمل في التغيير.
مطالب شعبية
وحذر الدكتور أحمد الشريف، خبير في مجال حقوق الإنسان، من أن الظروف السياسية الحالية قد تؤدي إلى انزلاق البلاد نحو مزيد من الاستقطاب والفوضى.
وشدد الشريف على ضرورة أن نبدأ حوارًا فعليًا ودائمًا حول حقوق الإنسان والإصلاح السياسي، داعيا إلى ضرورة الإستجابةً للمطالب الشعبية بإجراء تغييرات حقيقية.
وقال محمد عادل، طالب جامعي: “نحتاج إلى إصلاحات جذرية في النظام الحالي، وليس فقط تغييرات سطحية، مشددا على ضرورة أن تُعطي حقوق الإنسان الأولوية”.
وأكدت ليلى حسين، ناشطة حقوقية أنه لا يمكن أن نستمر بنفس الأساليب القديمة، مطالبة بضرورة تعزيز حقوق الإنسان وحرية التعبير .
وقالت : “هذه هي الأساسيات لأي مجتمع ديمقراطي مشددة على ضرورة تحقيقها، حتى لا يقع المصريون ضحايا لنظام استبدادى قمعي”.
ضغوط دولية
وأكدت دينا يوسف، ناشطة حقوقية أن المؤسسات الحقوقية تعمل على نشر التقارير وتوثيق الانتهاكات وتحسين وضع حقوق الإنسان، لكن يجب أن يكون هناك استجابة فعالة من حكومة الانقلاب .
وقًال للدكتور جمال العسكري، خبير في الشؤون الإقليمية: إن “الضغوط الدولية تلعب دورًا مهمًا في الدفع نحو الإصلاح.”
وأشار العسكري إلى أن المتغيرات الدولية يمكن أن تجبر حكومة الانقلاب على تحسين أوضاع حقوق الإنسان، ولكن يجب أن يكون هناك إرادة فعلية للمشاركة في صياغة منظومة قانونية وتشريعية تضمن تنفيذ هذه المطالب .
وقال محمد إسماعيل، ناشط حقوقي: “لا بد من النضال من أجل حقوقنا، وأعرب عن أمله في أن نرى يومًا ما إصلاحات حقيقية، وتحسينًا للأوضاع اليومية التي جعلت المصريين يعيشون في جحيم لا يطاق”.