بلا اي مناسبة، في ظل احتفالات الشعب المصري بالذكرى الـ51 لنصر أكتوبر ، هاجم عبد الفتاح السيسي مجدداً ثورة 25 يناير 2011، قائلاً خلال تفقده عناصر الفرقة السادسة المدرعة بالجيش الثاني الميداني في مدينة الإسماعيلية، امس الثلاثاء، إن “أحداث (ثورة) 2011 كانت إما ترتيباً أو سوء تقدير أو مؤامرة، والهدف منها إسقاط جناحي الأمة، الجيش والشرطة، وسقوط الدولة في اقتتال أهلي كبير يستمر ويأكل كل فرص التنمية، حتى وإن كانت متواضعة ومحدودة”.
تلك التصريحات تصطدم تماما مع الدستور المصري الذي عدله السيسي بنفسه في العام 2019، وهو ما يستوجب محاكمة السيسي محاكمة عاجلة، بتهمة ازدراء الدستور المصري..
نص دستوري
وشملت ديباجة دستور مصر الصادر عام 2012 تجميدا مباشرا لثورة 2011 في أربعة مواضع، أبرزها: “هذا هو دستورنا.. وثيقة ثورة الخامس والعشرين من يناير، التى فجرها شبابنا، والتف حولها شعبنا، وانحازت إليها قواتنا المسلحة”.
وفي دستور 2014، الذي جاء تعديلا للدستور السابق، عقب الانقلاب على الرئيس محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا في مصر، ذكرت الديباجة يوم 25 يناير2011 في موضعين مرتبطا بلفظ الثورة.
ونص الدستور المعدل فيي 24 ابريل 2019، على أن “ثورة 25 يناير-…. ، فريدة بين الثورات الكبرى في تاريخ الإنسانية، بكثافة المشاركة الشعبية التي قدرت بعشرات الملايين، وبدور بارز لشباب متطلع لمستقبل مشرق، وبتجاوز الجماهير للطبقات والأيديولوجيات نحو آفاق وطنية وإنسانية أكثر رحابة، وبحماية جيش الشعب للإرادة الشعبية وبمباركة الأزهر الشريف والكنيسة الوطنية لها، وهي أيضاً فريدة بسلميتها وبطموحها أن تحقق الحرية والعدالة الاجتماعية معاً. هذه الثورة إشارة وبشارة، إشارة إلى ماض ما زال حاضراً، وبشارة بمستقبل تتطلع إليه الإنسانية كلها.
فالعالم – الآن – يوشك أن يطوي الصفحات الأخيرة من العصر الذي مزقته صراعات المصالح بين الشرق والغرب، وبين الشمال والجنوب، واشتعلت فيه النزاعات والحروب، بين الطبقات والشعوب، وزادت المخاطر التي تهدد الوجود الإنساني، وتهدد الحياة على الأرض التي استخلفنا الله عليها، وتأمل الإنسانية أن تنتقل من عصر الرشد إلى عصر الحكمة، لنبني عالماً إنسانياً جديداً تسوده الحقيقة والعدل، وتصان فيه الحريات وحقوق الإنسان،
ونحن – المصريين – نرى في ثورتنا عودة لإسهامنا في كتابة تاريخ جديد للإنسانية.
نحن نؤمن أننا قادرون أن نستلهم الماضي وأن نستنهض الحاضر، وأن نشق الطريق إلى المستقبل. قادرون أن ننهض بالوطن وينهض بنا”.
تلك الكلمات العامرة بالوطنية والقانون والبعد الانساني والحضاري، الملتزم بثورة يناير منطلقا وغاية ووسيلة لخدمة الانسانية، ينقلب عليه السيسي ويموجه بالاتهامات الباطلة، من اجل كرسيه الملوس بدماء المصريين وابناء الثورة وقادتها، الذين قتلهم السيسي او سجنهم بدم بارد بلا اي حراك انساني لانقاذهم حاليا…
الاراجوز المتلون
يشار إلى نه في ذكراها الرابعة، عام 2015، قال السيسي، إن “ثورة 25 يناير كانت ثورة للتغيير، تحرك بها المصريون وأرادوا التغيير ونجحوا في ثورتهم”..
وفي الذكرى التالية، خاطب المصريين قائلا إن “أي عمل إنساني يخضع للتقييم.. وما اعترى تلك الثورة من انحراف عن المسار الذي أراده لها الشعب لم يكن من قبل أبنائها الأوفياء”.
واستطرد: “ولكن الشعب الذي ثار من أجل حريته وكرامته صوب المسار وصحح المسيرة،…!!
وفي الذكرى السادسة، عام 2017، قال السيسي: “ستظل ثورة يناير نقطة تحول في تاريخ مصر (..)
وفي الذكرى السابعة، عام 2018، خاطب السيسي المصريين بقوله: “لا يفوتني اليوم أن أتوجه بتحية تقدير واعتزاز لأبناء شعبنا المصري العظيم، بمناسبة ذكرى ثورة ٢٥ يناير، والتي كانت مطالبها نبيلة تسعى لنيل الحرية والكرامة الإنسانية وتحقيق سبل العيش الكريم للمواطن المصري”.
المتحول
وعلى عكس الخطابات الرسمية، بدا السيسي يحذر من الثورة متهمة 25 يناير بما ليس فيها، ففي 31 يناير 2018، انفعل السيسي، خلال كلمة له عقب افتتاحه مشروع، قائلا إن “مصر لن تعود لما قبل 7 أو 8 سنوات”، محذرا من أنه قد يطلب “تفويضا” (شعبيا) لمواجهة من أسماهم “العابثين بأمن واستقرار البلاد”.
وفي أكتوبر 2018، اعتبر أن “ما حدث في 2011 هو علاج خاطئ لتشخيص خاطئ، فالبعض قدم للناس صورة عن أن التغيير من الممكن أن يحدث بهذه الطريقة، وأن هناك عصا سحرية ستحل المشكلات”.
وبعد تلط النصوص والمواقف المتعلقة بعلاقة السيسي بثوورة يناير، يرى خبراء وحقوقيون استحقاق السيسي المحاكمة بتهمة ازدراء الدستور، والثورة التي كانت سبب في اعتلائه المشهد السياسي المصري…
نعامة مع اسرائيل
كما كان لافتا في كلمات السيسي امس، بالاسماعيلية، خضوعه وخنوعه امام التهديدات الاسرائيلية في المنطقة، بودلا من ان يعللن اية خطوات او حتى سياسات مناوئة لاي تهديد اسرائيلي، ذهب السيسي ليتحدث عن للغة الحوار مع الجميع، في انكسار واضح..
وقال السيسي مخاطباً الجنود بقوله: “عقيدتكم شريفة مخلصة لوطنها، وليس لأي أحد آخر، وأجندة الدولة المصرية ليست خافية، فنحن نريد أن نعيش في سلام على حدودنا، وأن نتعاون مع الآخر (في إشارة إلى إسرائيل)، لأن تجربة التعاون والتنمية أفضل من الاقتتال”.
وتأتي تلك الكلمات التي تعبر عن حميمية شديدة مع المجرم الصهيوني، الذي يضرب المنطقة في كل الاتجاهات باشكال مختلفة، ففي الوقت الذي يبيد فيها غزة ويدمر لبنان، يقيم على الحدود المصرية الابراج العسكرية وكاميرات المراقبة، بالمخالفة لكافة الاتفاقيات والمواثيق الدولية، وسط صمت من النعامة التي تحكم من قصر الاتحادية!!!!
ويأتي هذا الكلام اللين ، ويفوق حدود العقل والمنطق، ليقدم رسالة ضمنية ان مصر خارج المعادلة الاقليمية التي تتسيدها اسرائيل وتوجه المنطقة وفق مصالحه فقط، في الوقت الذي يستعرض فيه السيسي احدث الاسلحة وقوات مصر المسلحة، التي يبدو أنها متوجهة نحو اي عدوان بالداخل لا بالخارج نهائيا، في الذكرى 51 لنصر اكتوبر…