مع اقتراب البنوك من سداد قيمة شهادات الادخار والودائع بقيمة 5.6 تريليون جنيه، والتي تمثل 78.5% من إجمالي المدخرات بالعملات المحلية في البنوك المصرية حتى سبتمبر الماضي، وفقًا لبيانات البنك المركزي المصري، ستتكبد خزائن البنوك أيضًا ما يقرب من 1.83 تريليون جنيه بفعل أسعار الفائدة الحالية. حيث إن كل زيادة بنسبة 1% تكلف خزائن البنوك نحو 70 مليار جنيه، بحسب تقديرات وزارة المالية.
والسؤال المطروح الآن هو: هل سيتجه المودعون إلى استثمار أموالهم وتحويلها إلى دولارات، أم سيبقونها في البنوك للاستفادة من الفوائد؟
لماذا أصدرت البنوك شهادات استثمار عالية الفائدة؟
للإجابة عن هذا السؤال، يقول المدير التنفيذي لأسواق الدخل والنقد الثابت في شركة الأهلي لإدارة الاستثمارات المالية، محمود نجلة، إن الهدف الأساسي من إصدار هذه الشهادات كان دعم قيمة الجنيه والتصدي لعمليات “الدولرة”، والتي توقفت بالفعل بعد إجراءات البنك المركزي بتحرير سعر الصرف والقضاء على السوق الموازية، وذلك بعد سحب تريليونات الجنيهات من المواطنين.
هل يتجه المودعون إلى “الدولرة”؟
توقع محمود نجلة أن تستمر البنوك العامة في إصدار الشهادات مرتفعة العائد، مع اتخاذ خطوات نحو خفض الفائدة بمعدلات محدودة مع بداية العام المقبل، لضمان عدم سحب المودعين أموالهم وتحويلها إلى دولارات.
وأشار نجلة إلى أن السيولة المتوقع خروجها من البنوك حال خفض فائدة الشهادات ستكون هامشية، ويمكن للسوق استيعابها، خاصة مع التراجع التلقائي المتوقع في معدلات التضخم بناءً على تأثيرات سنة الأساس.
ماذا حدث؟
في يناير الماضي، أعلن بنكا مصر والأهلي عن إصدار شهادات ادخار جديدة بعائد مرتفع يصل إلى 27% سنويًا، وذلك بعد انتهاء فترة شهادات الادخار التي كانت تمنح عائدًا بنسبة 25% والتي طُرحت في يناير 2023.
وتزامنًا مع قرار تحرير سعر الصرف في مارس الماضي، طرح البنكان شهادة ادخار جديدة بعائد متناقص على مدار 3 سنوات، حيث يحصل المستثمر في السنة الأولى على عائد قدره 30%، بينما ينخفض العائد إلى 25% في السنة الثانية، ويصل إلى 20% في السنة الثالثة، مع صرف العائد سنويًا.
وجمع البنكان الحكوميان نحو 700 مليار جنيه عبر شهادات الادخار ذات العائد الكبير البالغ 27% و23.5%، وذلك خلال أول شهرين من طرح الشهادات، وتستحق قيمتها في شهري يناير وفبراير المقبلين.
استبعاد خفض الفائدة
استبعد مسؤول خزانة بأحد البنوك وقف إصدار شهادات الادخار ذات الفائدة المرتفعة مع بداية يناير المقبل، أي مع بداية استحقاقات الإصدارات القديمة، لكنه توقع ارتفاعًا بنحو 2% على الشهادات ذات الفائدة 27% و23.5% لأجل عام.
وأكد أن خفض الفائدة سيؤثر على السيولة في البنوك، خاصة مع زيادة التضخم المحتمل، بالإضافة إلى أن المودعين قد يلجؤون إلى “الدولرة”، ما ينذر بكارثة اقتصادية لن تتحمل الحكومة تداعياتها. لذلك، فإن الحل سيكون بثبات الفائدة أو رفعها قليلًا.
وأشار إلى أن الهدف الأساسي من إصدار هذه الشهادات كان دعم قيمة الجنيه والتصدي لعمليات “الدولرة”، والتي توقفت بالفعل بعد طرح شهادات الادخار ذات العوائد المرتفعة.
لا بديل عن استمرار المدخرات في البنوك
قال رئيس قسم البحوث في شركة أسطول لتداول الأوراق المالية، محمد عبد الحكيم، إن الفترة بين بداية موعد استحقاق شهادات الادخار المرتفعة واجتماع لجنة السياسة النقدية لا تتجاوز شهرًا تقريبًا، مما يعزز احتمالية استمرار طرح الشهادات ترقبًا لقرار تسعير الفائدة من البنك المركزي.
وأضاف عبد الحكيم أنه لا بديل عن استمرار المدخرات في البنوك، وأن استباق البنوك العامة لقرار “المركزي” بشأن الفائدة سيكون برفع فائدة الشهادات لضمان استقرار أرصدة شهادات الادخار في البنوك.
وأكد أن المدخرات يجب ألا تخرج من البنوك مع استمرار طرح الشهادات، متوقعًا أن البنك المركزي لن يجازف بخفض الفائدة عليها. وأوضح أن الحصة الأكبر من حصيلة المدخرات تأتي من مستثمري العائد الثابت، بينما جذبت الفائدة المرتفعة نسبة منخفضة من المستثمرين، ما يعني أن خروج المدخرات سيؤدي إلى كوارث متعددة.