كشفت أزمة نقابات الصحفيين، والمحامين، والمهندسين مع معامل التحاليل الطبية عن ممارسات احتكارية وفوضى في قطاع التحاليل الطبية تفاقم معاناة المرضى، بسبب فرض أسعار غير عادلة، و قيام كيانات غير مؤهلة بالعمل في هذا القطاع في تجاهل تام من حكومة الانقلاب التي لا تهتم بصحة المواطنين .
في نفس الوقت تقوم بعض معامل التحاليل الطبية بممارسات احتكارية، في حين تعمل بعض المعامل الأخرى دون ترخيص، مع غياب الرقابة من الجهات المختصة، وهو ما يعرض المرضى لخطر الممارسات غير المشروعة، ويجعلهم يتحملون عبئًا ماديًا وصحيًا بسبب فوضى السوق.
كانت نقابات الصحفيين والمحامين والمهندسين قد قررت وقف تعاقداتها مع معامل “البرج”، و“المختبر”، و”ألفا” التي يستحوذ عليها عيال زايد بالإمارات، بسبب الزيادة الكبيرة التي فرضتها هذه المعامل على أسعار خدماتها.
وكشفت االنقابات أن الزيادة في أسعار تحاليل هذه المعامل مبالغ فيها، وتجاوزت الأسعار المتفق عليها مع نقابة الأطباء، مما أدى إلى قرار تعليق التعاقدات مع هذه المعامل.
وقالت نقابة الصحفيين في بيان رسمي: إن “العقود المبرمة مع المعامل الثلاثة تنص على تحديد الأسعار وفقًا للمعايير المحددة من نقابة الأطباء، إلا أن المعامل خالفت هذه الاتفاقات ورفعت الأسعار بنسبة تتجاوز 30% مقارنة بمعامل أخرى”.
وأضاف البيان أن المعامل رفعت الأسعار بنحو 42% نهاية العام الماضي، وهو ما دفع النقابة إلى رفض هذه الزيادة ومطالبة المعامل بالالتزام بأسعار العام السابق، وهو ما قوبل بالرفض من جانب المعامل، ما أدى إلى اتخاذ قرار بوقف التعاقد.
محاولات للتفاوض
من جانبه، قال خالد البلشي نقيب الصحفيين: إن “النقابة قامت بمحاولات للتفاوض خلال الفترة الماضية – بالتعاون مع نقابتي المهندسين والمحامين- مع المعامل الثلاثة، لتطبيق الأسعار المقررة من جانب اتحاد نقابات المهن الطبية، لاسيما أن تلك الأسعار ارتفعت بنسبة 20%، لكن هذه المحاولات قوبلت بالرفض من تلك المعامل”.
وأضاف “البلشي” في تصريحات صحفية، النقابة عرضت زيادة 5% على الأسعار المقررة في محاولة منها لحل المشكلة، لكن المعامل الثلاثة رفضت ذلك أيضًا، ما دفع النقيب للتواصل مع عبد الحليم علام نقيب المحامين، وطارق النبراوي نقيب المهندسين، لرفض التعاقد مع تلك المعامل التي تتورط في ممارسات احتكارية على سوق التحاليل الطبية.
أسعار مرتفعة
وأكد طارق النبراوي – نقيب المهندسين- أن موقف النقابات الثلاثة جاء نتيجة إصرار معامل التحاليل على تطبيق أسعار مرتفعة عن التي تم تحديدها من قبل اتحاد المهن الطبية، رغم محاولات التفاوض التي استمرت قرابة شهرين، مشيرًا إلى أن المغالاة في الأسعار تؤثر على كل من العضو أو النقابة.
وقال النبراوي في تصريحات صحفية: إن “المعامل لم تتراجع عن موقفها حتى الآن، لذلك عمدت النقابة إلى توفير بدائل من خلال التعاقد مع معامل أخرى تتمتع بنفس الكفاءة والجودة للأعضاء وتلتزم بتطبيق الأسعار المقررة، كما أنها تتميز بالانتشار الجيد بالمحافظات”.
وأشار إلى أن الممارسات الاحتكارية التي يعاني منها سوق التحاليل الطبية تمثل مشكلة تواجه كافة المواطنين، ما يتطلب تدخل أجهزة دولة العسكر المعنية لتنظيم عمل هذه المعامل بما يتوافق مع قوانين المنافسة والشفافية.
أبراج الإماراتية
وأكد الباحث الاقتصادي وائل جمال أن شركة التشخيص المتكاملة أكبر لاعب في سوق التحاليل الطبية في مصر، موضحًا أن شركة أبراج الإماراتية هي التي أدارت عمليات الاستحواذ على البرج والمختبر، لأنها كانت المساهم الأساسي في شركة التشخيص المتكاملة التي تأسست عام 2012. وتخارجت من الشركة بعد أزمة فساد أطاحت بها ولا تمتلك أي حصة بالشركة حاليًا.
وقال “جمال” في تصريحات صحفية: إن “الشركة تمتلك استثمارات في دول أخرى، لكن السوق المصرية هي الأكبر بما يتجاوز 80٪ من دخلها، وتستحوذ على ما يزيد عن نصف عوائد القطاع التي تضم كافة معامل المستشفيات العامة والخاصة”.
وكشف أن الشركة حققت استفادة كبيرة خلال أزمة كورونا، ما مكنها من تحقيق حجم أرباح ضخمة خلال عام 2021 ، إذ تخطى عدد المرضي الذين تم التعامل معهم عشرة ملايين.
وشدد “جمال” على أن هناك سيطرة وممارسات احتكارية بهذا القطاع، تحتاج إلى تدخل جهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكار حتى لا يتم التحكم بالأسعار.
وأوضح إنه وفقًا للأرقام فإن شركة التشخيص المتكاملة تستحوذ على نسب تتخطى الـ 50% من قطاع التحاليل الطبية في مصر، إضافة إلى أن الكثير من المعامل الصغيرة تعتبر مجرد وسيط بين المريض والمعامل الكبرى، ما يجعلها غير قادرة على المنافسة.
ممارسات احتكارية
وأكد علاء غنام مسئول الحق في الصحة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية أن سوق المعامل الطبية يعاني من ممارسات احتكارية من بعض الشركات التي تفرض أسعارا مبالغا فيها، إضافة إلى الفوضى وعدم التنظيم، في ظل وجود كيانات تقوم بالعمل في هذا التخصص دون التزام بالمعايير اللازمة معربا عن أسفه لعدم قيام إدارة العلاج الحر بوزارة صحة الانقلاب بمواجهة هذه الكيانات .
وقال “غنام” في تصريحات صحفية: “يوجد خلل في تسعير الخدمات الطبية سواء التحاليل أو الأشعة، بسبب غياب دور الجهات الرقابية، مشددًا على ضرزرة توحيد أسعار تلك الخدمات”.
وطالب بضرورة تطبيق القانون الخاص بمنع الممارسات الاحتكارية، وزيادة الرقابة على الكيانات غير المصرح لها بالعمل في هذا النشاط لحماية المواطنين وتقديم خدمات الرعاية اللازمة بما يتوافق مع القوانين.
واعتبر “غنام” أن موقف النقابات الثلاثة يعتبر خطوة أولية لفتح ملف قطاع التحاليل والأشعة ودراسة المشكلات التي يعاني منها لوضع الحلول اللازمة لحماية المواطنين مؤكدا أن غياب الرقابة على المعامل الطبية، تسبب في خلق فوضى في آليات عمل هذه المعامل، وفي نتائج تحاليلها .
غير قانونية
وأكدت رشا عبد الهادي طبيبة تعمل بأحد معامل التحاليل بمحافظة الجيزة، أن هذا القطاع يعاني من ممارسات غير قانونية، بداية من مزاولة آلاف المعامل المهنة دون ترخيص أو تأجيرها من آخرين، لاسيما في المناطق الريفية ومحافظات الصعيد.
وقالت رشا عبد الهادي في تصريحات صحفية: إن “أغلب المعامل لا تمتلك الأجهزة اللازمة لإجراء التحاليل الطبية، ما يجعلها تقوم بإرسال العينات التى يجب تحليلها إلى المعامل الكبرى عن طريق مندوب يحضر يوميًا لأخذ العينات مقابل نسبة من السعر، وهو ما لا يمكنها من المنافسة إضافة إلى قيام الكثير من المعامل بالتعاقد مع أطباء لتحويل المرضى إليهم مقابل نسبة يحصل عليها الطبيب شهريا، ما يضعف توزيع آلية العمل بين تلك المعامل بشكل عادل”.
وأوضحت أن الملاءة المالية القوية التى تتسم بها الشركات الكبرى لمعامل التحاليل تمكنها من التحكم في هذا القطاع وأسعاره، كما أن توسعاتها في المحافظات يجعلها الوجهة الرئيسية لكثير من المرضى، مؤكدة أن معامل “البرج والمختبر وألفا” تنفرد بإجراء التحاليل الطبية التي تحتاج أجهزة باهظة الثمن مثل بعض أنواع تحاليل الغدد، ما يجعل الأطباء يوجهون مرضاهم لمراكز التحاليل التابعة لها.