أزمة الغاز في مصر وتأثيراتها على القضية الفلسطينية

- ‎فيمقالات

عادل الأنصاري

تحولت أزمة الغاز في مصر إلى ورقة ضغط على القرار المصري بشأن فلسطين وباتت عاملا كابحا لقرار السلطة في مصر لاتخاذ أي خطوات داعمة للقضية الفلسطينية ، بل جعلها محصورة في خانة الاستجابة للمطالب التي يمليها الكيان الصهيوني أو تطرحها الإدارة الأمريكية بشأن إبعاد المقاومة داخل قطاع غزة من معادلة السلطة وصناعة حالة من التوافق مع التوجهات الأمريكية والصهيونية.

والحقيقة فإن ملف الغاز بات ملفا شائكا ومؤثرا حيث انتقلت مصر من كونها دولة مُصدّرة إلى مستوردة للغاز، واتجهت أنظار السلطة في مصر صوب الغاز الفلسطيني الذي يتحكم فيه خلال هذه المرحلة الاحتلال الصهيوني ويسيطر عليه بصورة كاملة ، ولم تلتفت إلى خيارات أخرى ربما كانت كلفتها السياسية والاستراتيجية أقل بكثير من تكلفة مثل هذا القرار.

وبالرغم من الاكتشافات الكبيرة للغاز في مصر والتي يعد حقل “ظُهر”، واحدا من أبزرها إلا أن الواقع شهد تراجعا كبيرا في إنتاج الغاز المصري حيث تراجع إنتاج الغاز من 7.2 مليار قدم مكعب يوميًا في عام 2020 إلى حوالي 5.5 مليار قدم مكعب يوميًا في عام 2023، بنسبة انخفاض تقارب 24% ، وذلك بسبب تقادم الحقول إضافة إلى المشكلات الفنية التي ظهرت في حقل “ظُهر” بعد سنوات محدودة من بدء إنتاجه ، حيث تم استنفاذ طاقته الإنتاجية بشكل متسارع مما أثر بشكل كبير على احتياطاته ، وكان أيضا لتراجع الاستثمارات في قطاع التنقيب بسبب تراكم مديونيات الشركاء الأجانب لدى السلطة في مصر عاملا إضافيا أضعف من إنتاجية الغاز المصري.

وهناك عامل آخر يتعلق بالتعاقدات التي ألزمت السلطة نفسها بها من خلال عقود تصديرالغاز  إلى أوربا مما دفعها إلى استيراد الغاز ليس فقط لسد حاجة السوق المحلي ولكن أيضا للوفاء بالالتزامات الدولية لتصدير الغاز وفقا للعقود المبرمة مع دول إوربية ، وفي هذه الحالة اتجهت أيضا أنظار السلطة إلى الغاز الفلسطيني الذي يسيطر عليه الكيان الصهيوني ثم إعادة تصديره بعد تسييله في محطتي إدكو ودمياط ، ولم تبحث عن خيارات بديلة.

وبالرغم من عظم تأثيرات هذه السياسة على كاهل الاقتصاد المصري المثقل بطبيعته في ظل شح العملة الأجنبية ، إلا أن التأثيرات السياسية كانت أكبر بكثير خاصة فيما يتعلق بكبح المواقف المصرية تجاه القضية الفلسطينية ، والدفع بها إلى حالة الاستجابة الكاملة والرضوخ إلى المطالب الصهيونية والتي كان من أبرزها قضية التهجير ونزع سلاح المقاومة ، وذلك سواء بالاستجابة الكاملة والمباشرة أو محاولة البحث عن بدائل توافقية لتنفيذها بصيغ ملائمة للاحتلال ، حيث تدرك السلطة في مصر أن عدم الاستجابة بطريق مباشر أو غير مباشر يمكن أن تكون تأثيراته خطيرة على واقع الاقتصاد المصري فقط في بند الغاز الذي يمكن أن يؤدي أي قرار صهيوني بتوقيف ضخه لمصر إلى حالة من إظلام مصر بشكل كامل.

ولعل ما فعله الاحتلال الصهيوني خلال الصيف الفائت من عرقلة ضخ الغاز بشكل جزئي إلى مصر بحجة استمرار الحرب أحدث حالة من الإظلام شبه الكامل فيما عرف بسياسة تخفيف الأحمال ، بما يحمل رسالة واضحة بأن اتخاذ الاحتلال الصهيوني قرارا بوقف كامل لضخ الغاز يمكن أن يكون أثره أكبر بكثير مما وقع خلال الفترات السابقة.