مفاوضات قرض جديد مع صندوق النقد  ..هل كانت خطة إغراق مصر في الديون مبيتة منذ 2013؟

- ‎فيتقارير

 

وسط تساؤلات متجددة حول جدوى الاقتراض الخارجي واستدامة الديون، تجري  حكومة الانقلاب مفاوضات جديدة مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 1.3 مليار دولار ضمن ما يُعرف بـ"صندوق الصلابة والاستدامة".

وتأتي هذه المفاوضات بعد أقل من شهرين على صرف الشريحة الرابعة من قرض سابق، دون إعلان الصندوق حتى الآن عن نتائج مراجعته الرابعة، في خطوة وصفتها مؤسسات حقوقية بأنها "خرق لمبادئ الشفافية".

 

فاتورة يدفعها المصريون مقابل هذه القروض؟

 

الشارع المصري لا يلمس أي تحسن في مستوى المعيشة، بل على العكس، تعاني الأسر من ارتفاع غير مسبوق في أسعار الغذاء، والمواصلات، والوقود، نتيجة التزامات الحكومة تجاه برنامج الصندوق، والذي يتضمن عادة "إصلاحات مؤلمة" مثل:

 

رفع أسعار البنزين والسولار والغاز.

 

تحرير سعر الصرف، مما أدى لانهيار الجنيه (أكثر من 50 جنيهاً مقابل الدولار).

 

تقليص دعم الخبز والسلع الأساسية.

 

خصخصة أصول عامة وشركات حكومية.

 

ووفقاً لتقارير محلية، ارتفعت أسعار البنزين بأكثر من 900% منذ عام 2013. (انظر الإنفوغرافيك المرفق)

 

📊 إنفوغرافيك 1: تصاعد أسعار البنزين 92 (جنيه/لتر)

 

2013: 1.85 جنيه

 

2016: 3.5 جنيه

 

2019: 6.75 جنيه

 

2024: 10.25 جنيه

 

2025: 13.5 جنيه (متوسط بعد آخر زيادة)

 

📊 إنفوغرافيك 2: تصاعد الدين الخارجي لمصر (مليار دولار)

 

2013: 43.2

 

2016: 55

 

2019: 109

 

2022: 155

 

2024: 165 (وفق البنك الدولي)

 

2025 (متوقع بعد القرض الجديد): أكثر من 170 مليار دولار

 

هل يكفي دخل مصر لسداد الدين؟

 

يشكك اقتصاديون في قدرة الاقتصاد المصري على الوفاء بالتزاماته المستقبلية، إذ ارتفعت كلفة خدمة الدين الخارجي وحدها لتستهلك أكثر من 60% من إيرادات الدولة من العملات الأجنبية، وفق تقديرات غير رسمية.

 

يقول الخبير الاقتصادي د. مصطفى يوسف: "مصر ليست فقط في أزمة سيولة، بل في أزمة نموذج اقتصادي قائم على القروض والمشروعات العقيمة، ما يفاقم من انكشافها المالي".

 

أما د. ريم عبد السلام، أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة، فتضيف: "الدين نفسه ليس المشكلة، بل غياب عائد تنموي حقيقي منه. لا توجد بنية إنتاجية تستوعب هذه الأموال وتعيدها للمجتمع، بل تُهدر في مشروعات غير ذات أولوية".

 

 هل كانت خطة إغراق مصر في الديون مبيتة منذ 2013؟

 

تُثار تساؤلات سياسية واقتصادية حول إصرار المنقلب  عبد الفتاح السيسي على الاقتراض المتواصل منذ توليه السلطة بعد انقلاب 2013. ويرى مراقبون أن جزءاً من تلك القروض كان يهدف إلى تثبيت أركان النظام وتوزيع العوائد على شبكة مصالح داخل المؤسسة العسكرية ورجال الأعمال المرتبطين بها.

 

وتشير تسريبات وتقارير صحفية إلى أن بعض دول الخليج، خاصة السعودية والإمارات، قدمت دعماً مالياً كبيراً للنظام الجديد مقابل تنفيذ أجندات إقليمية وسياسية، على رأسها تحجيم التيارات الإسلامية وفتح المجال أمام شراكات اقتصادية خاصة.

 

ووفقاً لخبير السياسات الدولية د. وائل فهمي، فإن "السيسي لم يكن ليبقى في الحكم لولا تدفقات نقدية ضخمة من الخليج وصندوق النقد، حتى لو كانت على حساب السيادة الاقتصادية".

 

تقييم دولي قاتم لاقتصاد مصر

 

تشير بيانات مؤسسات مالية دولية إلى تصنيف ضعيف للاقتصاد المصري. فقد خفضت وكالة موديز التصنيف الائتماني لمصر مراراً خلال العامين الماضيين، ووصفت وضعها المالي بـ"الهش"، بينما تحذر تقارير صندوق النقد نفسه من "تباطؤ شديد في الإصلاحات الهيكلية" خاصة في ملف انسحاب الجيش من الاقتصاد.

 

وفي هذا السياق، تذكر المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أن الصندوق اشترط في مراجعاته السابقة بيع أصول حكومية وضمان عدالة المنافسة بين القطاع الخاص والكيانات المملوكة للجيش، لكن الحكومة لم تلتزم فعلياً بهذه الإصلاحات.

 

لماذا لا تُنشر مراجعات صندوق النقد؟

 

يُعدّ الغموض الذي يحيط بمفاوضات القاهرة مع صندوق النقد مدعاة للقلق، حيث لم تُنشر حتى الآن الوثائق الخاصة بالمراجعة الرابعة، ما يتناقض مع معايير الحوكمة والشفافية التي يُفترض أن تكون أساس برامج القروض الدولية.

 

وتؤكد المبادرة المصرية أن "حجب الوثائق يعرقل قدرة البرلمان والمجتمع المدني والصحافة على مراقبة شروط البرنامج، وقياس مدى تأثيره على المواطنين".

 

هل من نهاية لهذه الحلقة المفرغة؟

 

في ظل غياب سياسة إنتاجية واضحة، واحتكار القوات المسلحة قطاعات حيوية، يتساءل اقتصاديون عن الجدوى من المزيد من القروض، ما لم يترافق ذلك مع إصلاح هيكلي حقيقي، يبدأ بتقليص هيمنة الدولة والجيش على الاقتصاد، وتحفيز القطاع الخاص، وضمان حماية الفقراء من إجراءات التقشف المتكررة.

 

ولا تزال الإجابة عن السؤال الجوهري معلقة: إلى متى سيظل المصريون يدفعون فواتير قروض لم يقرروا الحصول عليها ولم يستفيدوا منها؟