في مشهد يعيد إلى الأذهان ممارسات الاحتلال الإسرائيلي بحق الأسرى الفلسطينيين، تواصل سلطات الانقلاب العسكرى فى مصر ، فرض قيود قمعية صارمة على المعتقلين السياسيين، الذين يُقدّر عددهم بعشرات الآلاف. هؤلاء المحتجزون في سجون السفاح المنقلب السيسي، كما في عهد الطاغية الراحل عبد الناصر، لا يُتوقع إطلاق سراحهم إلا برحيل النظام نفسه، وسط حرمان ممنهج من أبسط الحقوق الإنسانية، كزيارة الأسرة التي لا تتجاوز عشر دقائق وتتم تحت رقابة أمنية مشددة.
توصية قضائية غير مسبوقة: حق المعتقل في الإنجاب
في سابقة قضائية وُصفت بـ"التاريخية"، أوصت هيئة مفوضي الدولة بمحكمة القضاء الإداري بأحقية زوجة معتقل سياسي في الإنجاب من زوجها المسجون عبر الحقن المجهري، وعلى نفقتها الخاصة، داخل مركز طبي معتمد. التقرير صدر في أبريل/نيسان 2025، ضمن الدعوى رقم 41283 لسنة 79 ق، التي أقامتها زوجة معتقل يقضي عقوبة بالسجن المشدد 15 عامًا في مركز إصلاح وتأهيل بمحافظة المنيا.
وأكدت الهيئة أن الحق في تكوين أسرة لا يسقط بالسجن، مستندة إلى الدستور المصري الذي ينص على أن "الأسرة أساس المجتمع"، إضافة إلى الاتفاقيات الدولية، وفي مقدمتها "العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية"، و"قواعد نيلسون مانديلا" الخاصة بمعاملة السجناء.
استشهاد بحكم أوروبي نادر
للمرة الأولى، ضمّنت الهيئة استشهادًا بحكم صادر عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في قضية "ديكسون ضد المملكة المتحدة"، التي أقرت بحق السجناء في التلقيح الصناعي، واعتبرت حرمانهم منه انتهاكًا لحقهم في الحياة الأسرية.
هل يجرؤ النظام على السماح بوجود جيل جديد من المعارضين؟
ورغم التوصية القانونية، يثير الموقف تساؤلات أعمق حول نوايا النظام المصري. يقول خلف بيومي، مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان، إن "الحديث عن الإنجاب يجب أن يُسبق بالتذكير بأن المعتقلين محرومون حتى من أبسط حقوقهم، مثل الزيارة". مضيفًا: "نتساءل بوضوح: هل يسمح نظام يصفي معارضيه جسديًا ونفسيًا بأن يكون لهم نسل؟ لا أعتقد ذلك."
بيومي اعتبر أن التقرير يمثل تهديدًا صامتًا لمنظومة القمع، لأنه يعيد إلى الضحايا شيئًا مما سُلب منهم، مشددًا على أن مئات المعتقلين لا يزالون محرومين من زيارة ذويهم، فكيف يمكن تخيل قبول النظام بفكرة الإنجاب؟
جرح نفسي عميق في وجدان المجتمع
ومن زاوية نفسية، علّقت د. نهى قاسم، أخصائية الطب النفسي، بأن القرار يعكس عمق الجرح المجتمعي الناتج عن سياسات الاعتقال السياسي المستمرة منذ أكثر من 13 عامًا. وقالت في حديث لـ"عربي21": "الأصل أن نسعى لخروج المعتقلين لأن السجن ليس مكانهم الطبيعي، لكن إذا لم يتحقق ذلك، فعلى الأقل ينبغي ترك مساحة للأسرة كي تختار، دون فرض إجابة واحدة على الجميع".
استمرار القمع.. وحق مؤجل بالكرامة
ورغم أن التوصية القضائية تبدو خطوة متقدمة على الورق، إلا أن التنفيذ على أرض الواقع مرهون بإرادة سياسية لا تبدو راغبة في التراجع عن نهج البطش. ويظل السؤال مفتوحًا: هل سيبقى الحق في الإنجاب مجرد بند في تقارير الهيئات القضائية، أم أنه سيتحول إلى كابوس جديد تخشاه الأجهزة الأمنية التي لا تريد أن ترى أبناء المعتقلين يكبرون في مجتمع لا يزال يرزح تحت الظلم نفسه؟