استنزاف ناعم للنيل .. الاستثمارات الزراعية الأجنبية تهدد مياه شرب المصريين بظل الشح المائي

- ‎فيتقارير
استثمارات منابع النيل"... تهديد صامت لحصة مصر من المياه

حذر خبراء اقتصاد ومياه من تصاعد أزمة مائية تهدد مستقبل مصر الزراعي والغذائي، في ظل تسارع وتيرة الاستثمارات الزراعية الأجنبية في دول منابع نهر النيل، والتي قالوا إنها تستهلك بشكل غير مباشر من الحصة التاريخية لمصر من مياه النهر، وسط غياب تنسيق إقليمي فعال.

تهديد غير مرئي... استنزاف ناعم للنيل

خلال مشاركته في مؤتمر "الاستثمار في أفريقيا" بجامعة القاهرة، أطلق الدكتور نادر نور الدين، أستاذ الأراضي والمياه بكلية الزراعة، تحذيرًا علميًا صارخًا وصف فيه الاستثمارات الزراعية الأجنبية في دول المنابع بأنها "خطر صامت" على الأمن المائي المصري.

وأوضح نور الدين أن دول منابع النيل الأبيض، مثل أوغندا ورواندا وبوروندي، تستحوذ على أكثر من نصف المياه العذبة في القارة، مما يجعلها وجهة مفضلة للاستثمارات الزراعية، خاصة من الصين والهند ودول الخليج، في ظل تراجع انتظام الأمطار بسبب التغير المناخي. ولفت إلى أن الاعتماد على الري بدلاً من الأمطار يعني سحبًا متزايدًا من مياه النهر على حساب دول المصب، وفي مقدمتها مصر.

لا تنسيق... ولا خطوط حمراء

انتقد نور الدين غياب التنسيق الإقليمي بين دول حوض النيل، مشيرًا إلى أن الاستثمارات الزراعية المروية تُنفذ بمعزل عن أي التزامات مائية، مما يهدد بتقليص حصة مصر التاريخية من المياه، البالغة 55.5 مليار متر مكعب سنويًا.

وحذر من أن استمرار هذا النزف دون تدخل دبلوماسي واستراتيجي حاسم قد يؤدي إلى أزمة وجودية خلال سنوات قليلة، مشددًا على ضرورة تبني مصر نهجًا جديدًا للتعامل مع دول المنابع والشركاء الدوليين المستثمرين فيها.

الأمن والاستثمار... معادلة صعبة

لم تقتصر المخاوف على الجانب المائي، بل امتدت إلى البعد الأمني، حيث أشار اللواء محمد عبد الباسط، المدير العام لمركز مكافحة الإرهاب لتجمع دول الساحل والصحراء، إلى أن الاستثمار في بعض مناطق أفريقيا يواجه تهديدات متزايدة من الجماعات المسلحة، ما ينعكس سلبًا على الاستقرار والتنمية.

ولفت إلى أن أفريقيا تخسر سنويًا قرابة 195 مليار دولار بسبب التدفقات المالية غير المشروعة والفساد والأنشطة غير القانونية، وهو ما يعوق جهود التنمية المستدامة ويقوض بيئة الاستثمار.

الاستثمار الأخضر... فرصة مهدرة

وفي جلسة مخصصة للطاقة، أكدت الدكتورة سالي فريد، رئيس قسم الاقتصاد بكلية الدراسات الأفريقية، أن القارة تمتلك إمكانات هائلة في الطاقة المتجددة – الشمسية والرياح والمائية – لكنها تفتقر إلى التمويل والتكنولوجيا. ودعت إلى دعم دول أفريقيا لتكون نموذجًا في الاقتصاد الأخضر، بما يخدم الأهداف المناخية ويقلل من الضغوط على الموارد التقليدية مثل المياه.

دعوات للإصلاح والتكامل الإقليمي

وشدد الباحثون المشاركون في المؤتمر،  على أن الحل يكمن في بناء استراتيجيات أفريقية مشتركة تشمل حوكمة الموارد الطبيعية، وتعزيز البنية التحتية الإقليمية، ومحاربة الفساد، مع إرادة سياسية لتطبيق إصلاحات حقيقية.

وأكد أستاذ الجغرافيا الاقتصادية سلطان فولي أن ممرات التنمية – من طرق وموانئ وخطوط طاقة – يجب أن تُصمم لتحقيق العدالة الجغرافية والاجتماعية، لا أن تكون أدوات لتعميق الفوارق أو خدمة القوى الخارجية فقط.

أفريقيا... قارة الفرص والتحديات

خلص المؤتمر إلى أن أفريقيا، رغم معاناتها من الفقر والفساد وضعف البنى التحتية، تملك مقومات هائلة تؤهلها لتكون قارة المستقبل. لكن تحويل الفرص إلى واقع يتطلب تنسيقًا إقليميًا فعالًا، خاصة في إدارة الموارد المشتركة مثل المياه، وتفعيل الشراكات الدولية على أسس عادلة تحفظ مصالح شعوب القارة.