رفضت إخلاء وحدات الإيجار القديم.. هل تعود النقابات المهنية لدورها التاريخي بمواجهة الاستبداد؟

- ‎فيتقارير



في مشهد يعيد إلى الأذهان الدور السياسي والاجتماعي البارز للنقابات المهنية في تسعينيات القرن الماضي، حين كانت تُمثل ملاذًا لمعارضي السلطة، عندما كانت جماعة الإخوان المسلمين تدير هذه النقابات عاد عدد من كبار نقباء النقابات المصرية – في مقدمتهم الأطباء والمهندسون والصيادلة – ليرفعوا صوتهم رفضًا لتعديلات قانون الإيجارات القديمة، وسط تصاعد التوتر الاجتماعي والاقتصادي في البلاد.

رفض جماعي لقانون الإخلاء

في جلسة ساخنة للجنة الإسكان بمجلس النواب بنظام الانقلاب ، أكد نقيب المهندسين طارق النبراوي أن مشروع الحكومة بإخلاء الوحدات المؤجرة خلال خمس سنوات ورفع الحد الأدنى للأجرة إلى ألف جنيه شهريًا، "يمثل تهديدًا وجوديًا لشريحة كبيرة من المصريين"، محذرًا من أن "الإخلاء الجماعي دون بدائل سكنية حقيقية، هو بمثابة رسالة موت للمستأجرين".

وشدد النبراوي على أن الدولة تتوسع في مشروعات الإسكان الفاخر وتتجاهل الفئات الأضعف، مضيفًا أن تطبيق القانون بصورته الحالية "يخلّ بالعدالة الاجتماعية".

الأطباء والصيادلة: عياداتنا في خطر

بدوره، حذر نقيب الأطباء أسامة عبد الحي من المساس بعقود العيادات والمراكز الطبية، مؤكدًا أنها "أمن قومي"، ومشيرًا إلى أن هذه العقود رضائية ومحمية دستوريًا، كما أن العيادات ليست تجارة بل مرفق صحي، وأي تهديد لها هو تهديد للخدمة الطبية في بلد يعاني من نقص مزمن في الأطباء.

أما ممثلة نقابة الصيادلة، فاتن عبد العزيز، فكشفت عن أن أكثر من 10 آلاف صيدلية معرضة للإغلاق إذا تم إخلاؤها، مشيرة إلى أن القانون الجديد يتجاهل الواقع الجغرافي والتفاوت الاقتصادي، و"يهدد بانهيار قطاع الصيدلة كمرفق صحي أساسي".

نقابات ترفض الصمت

الموقف الموحد للنقابات يعيد إلى الواجهة تساؤلات قديمة حول قدرتها على لعب دور اجتماعي ومعارض حقيقي، كما كانت في العقود السابقة، خصوصًا في ظل ضمور المجال السياسي وتراجع الأحزاب، وعودة القوانين المثيرة للجدل من دون حوار مجتمعي حقيقي.

في التسعينيات، كانت النقابات المهنية – وعلى رأسها نقابة المهندسين ونقابة الأطباء – ساحة للنصال السياسي ومجالاً للتنظيم الشعبي، خصوصًا مع سيطرة جماعة الإخوان المسلمين على إداراتها، قبل أن يتم فرض الحراسة عليها لعقود.

واليوم، وفي ظل صمت واسع من القوى السياسية، تبدو النقابات – وإن جزئيًا – آخر ما تبقى من مؤسسات قادرة على التعبير عن مصالح الطبقات المتوسطة والدنيا، ورفض السياسات التي تمس الأمن الاجتماعي والمعيشي للمواطنين.

تهديد للسلم الاجتماعي

وبينما يحاول البرلمان الانقلابي طمأنة الجميع بإصدار "تعديل متوازن"، يؤكد المعارضون للقانون أن مخاطره تتجاوز الأرقام إلى احتمالات حدوث اضطرابات اجتماعية، في وقت تتصاعد فيه الضغوط الاقتصادية على المصريين.

وتشير بيانات جهاز التعبئة والإحصاء إلى وجود أكثر من 3 ملايين وحدة خاضعة لقانون الإيجار القديم، منها أكثر من نصف مليون وحدة مخصصة للنشاط التجاري والإداري، ما يعني أن آثار القانون ستمتد إلى عشرات الآلاف من المحال والصيدليات والعيادات التي تخدم ملايين المصريين.

عودة الصوت المهني... هل يتوسع؟

يبقى السؤال مفتوحًا: هل يمثل تحرك نقباء الأطباء والمهندسين والصيادلة بداية عودة النقابات إلى دورها التاريخي في الدفاع عن الحقوق الاجتماعية والسياسية؟ أم أن النظام سيُحكم قبضته مجددًا لمنع تكرار تجربة التسعينيات، حيث تحولت النقابات إلى منابر معارضة فعالة؟

الشارع ينتظر، والأزمة تتفاقم، والمستقبل مرهون بقدرة هذه النقابات على الصمود، في وجه قوانين لا تنظر غالبًا إلى المواطن البسيط، بل إلى معادلات السوق والمستثمرين فقط.