في خطوة اعتبرها مراقبون استكمالاً لسياسات تفكيك القطاع العام وبيع الأصول الحيوية بزمن الانقلاب ، قرر مجلس الدولة تأجيل نظر دعوى وقف خصخصة المستشفيات العامة إلى جلسة 5 أغسطس/آب 2025، في الوقت الذي تمضي فيه حكومة الانقلاب قدماً في منح امتيازات تشغيل المنشآت الصحية لشركات أجنبية، أبرزها ذات صلة مباشرة بدولة الإمارات، التي باتت لاعباً أساسياً في القطاع الطبي المصري.
طعن قضائي ضد الخصخصة
الدعوى التي تقدم بها عدد من أعضاء نقابة الأطباء، بينهم الدكتورة منى مينا، وإيهاب الطاهر، وأحمد فتحي عبد العزيز، طالبت بوقف تنفيذ وإلغاء قرارات الحكومة بطرح المنشآت الصحية العامة بنظام "الالتزام"، لما يمثله من تهديد للأمن القومي الصحي وانتهاك لحق المواطن في العلاج المجاني، وفق الدعوى رقم 77456 لسنة 78 ق.
وجاء قرار المحكمة بالتأجيل بعدما طلبت الجهة الطاعنة مد الأجل لإضافة طعن جديد على قرار منح مستشفى "دار السلام هرمل" إلى شركة أجنبية خاصة، وهو ما يمثل بحسب مراقبين "أمراً واقعاً" تفرضه الحكومة قبل صدور الحكم القضائي.
مستشفى هرمل.. نموذج على البيع تحت غطاء "الالتزام"
في 5 مايو 2024، أعلن وزير الصحة بحكومة الانقلاب طرح خمس مستشفيات حكومية كبرى، بينها "هرمل"، للقطاع الخاص، ليصدر لاحقاً القرار رقم 5 لسنة 2025 بمنح تشغيل مستشفى دار السلام إلى شركة "إليفات برايفت أكويتي"، المرتبطة بالمركز الفرنسي للأورام غوستاف روسيه (GRI)، بموجب قانون 87 لسنة 2024.
المستشفى، الذي يتبع وزارة الصحة مباشرة عبر أمانة المراكز الطبية المتخصصة، تحول إلى فرع أجنبي على الأراضي المصرية، وسط تساؤلات عن مصير الفئات الفقيرة التي كانت تعتمد عليه لتلقي العلاج المجاني.
الإمارات.. الدولة الصغيرة التي تبتلع القطاع الطبي المصري
ورغم أن الصفقة من الناحية الشكلية مع شركة فرنسية، إلا أن شركة "إليفات برايفت أكويتي" ليست إلا واجهة لتحالفات استثمارية تنشط فيها صناديق إماراتية، ضمن سياسة توسعية بدأت قبل سنوات، وشملت الاستحواذ على سلسلة معامل تحاليل شهيرة ومختبرات وشركات أدوية داخل مصر.
ولا يُعد هذا الاستحواذ الطبي منفصلاً عن سياق أوسع من السيطرة الإماراتية على مفاصل الاقتصاد المصري، بدءاً من الموانئ، ومروراً بالعقارات، وصولاً إلى المؤسسات الحيوية كالمستشفيات والمراكز الطبية، وتطرح هذه الهيمنة تساؤلات مشروعة حول مدى استقلالية القرار المصري، خاصة مع تواتر الأنباء عن ضغوط إماراتية مباشرة لفرض تسريع الخصخصة مقابل مساعدات مالية.
خنوع السيسي.. نقطة ضعف أم تبعية كاملة؟
في هذا السياق، يتساءل معارضون عن سر الخضوع غير المشروط من جانب المنقلب السفيه عبد الفتاح السيسي لمحمد بن زايد، حاكم الإمارات الفعلي، فهل هو ضعف تفاوضي؟ أم نتيجة ارتباطات مالية وسياسية تجعل من القاهرة تابعاً في ملفاتها السيادية؟
يرى مراقبون أن نقطة ضعف النظام المصري تكمن في حاجته المستمرة للتمويل الخارجي، وخاصة من الإمارات، التي تستغل ذلك لفرض رؤيتها الاقتصادية، بينما يحذر خبراء في الصحة العامة من أن تفكيك النظام الطبي الحكومي وبيعه لمستثمرين أجانب، ولو تحت مسمى "الالتزام"، يهدد بشكل مباشر قدرة الدولة على مواجهة الكوارث الصحية والأوبئة، ويزيد من الفجوة الطبقية في الحصول على الرعاية الصحية.
معركة صيف 2025.. القضاء في مواجهة الخصخصة
مع تحديد جلسة 5 أغسطس المقبل لنظر الطعن على خصخصة المستشفيات العامة، بات واضحاً أن معركة الحفاظ على ما تبقى من القطاع الصحي الحكومي ستخاض في قاعات القضاء، بينما تستعجل الحكومة إتمام صفقاتها قبل صدور حكم قد يعرقل خططها.
ويبقى السؤال: هل ستنجح قوى المجتمع المدني والنقابات المهنية في كبح جماح التوسع الإماراتي في الشريان الصحي المصري؟ أم أن آلة الخصخصة المدفوعة بالضغوط المالية والسياسية ستمضي حتى آخر سرير حكومي؟