في تحرك يثير علامات استفهام كبيرة، تسارعت خطوات نظام المنقلب السفيه السيسى لمنح الولايات المتحدة حزمة من الامتيازات الاقتصادية غير المسبوقة، من بوابة اتفاق جمركي جديد، وسط مؤشرات على سعي الرئيس عبد الفتاح السيسي لكسب رضا إدارة دونالد ترامب – المحتملة – قبل عودته إلى البيت الأبيض، في وقت لا يمتلك فيه السيسي الوسائل المالية السخية التي استخدمها حلفاؤه الخليجيون لنيل دعم واشنطن. تنازلات بلا مقابل: قناة السويس والألبان والسيارات خلال الأيام الماضية، برزت إشارات متعددة على تقديم القاهرة عروضًا سخيّة لواشنطن، من بين أبرز هذه التنازلات، ما كشفت عنه مصادر مطلعة في منتدى "قادة السياسات بين مصر وأميركا 2025"، الذي شهد الإعلان عن خطوات تنفيذية لمنح الشركات الأميركية امتيازات تشغيلية وتصديرية تشمل الطاقة المتجددة، الصناعات التحويلية، والتكنولوجيا، بل وحتى قناة السويس كممر استثماري ولوجستي استراتيجي. كما أعلنت حكومة السيسي عن إلغاء اشتراط شهادة "الحلال" لمنتجات الألبان الأميركية حتى نهاية عام 2025، وتخفيض رسوم تقييم المطابقة بنسبة تصل إلى 50%، في خطوة وُصفت بأنها "بادرة حسن نية" من القاهرة تجاه واشنطن، في المقابل، وافقت أميركا على تعديل بعض القيود المفروضة على دخول المنتجات الصناعية المصرية. لماذا يسعى السيسي لرضا ترامب الآن؟ يثير هذا السخاء المفاجئ تساؤلات عن دوافع القاهرة، خاصة في ظل تجاهل إدارة ترامب السابقة للسيسي في مراحل حرجة، وعزوف الإدارة الحالية بقيادة جو بايدن عن تقديم دعم اقتصادي مباشر لمصر في ظل أزمة اقتصادية خانقة. يرى مراقبون أن السيسي يسعى لكسب موقع قوي مبكرًا في حسابات ترامب، خاصة في ظل تراجع شعبية النظام داخليًا، وتصاعد الأزمات المعيشية التي تهدد الاستقرار، ويرجح آخرون أن السيسي يفتقر الآن إلى "أموال الخليج" التي كانت تُستخدم كورقة تفاوض، فيلجأ إلى الاقتصاد المصري ذاته كورقة مقايضة، حتى وإن كانت على حساب السيادة الاقتصادية. اتفاق جمركي... بمثابة بوابة خلفية الاتفاق الجمركي المُزمع توقيعه بين القاهرة وواشنطن، والذي يجري التفاوض حوله بوتيرة متسارعة، يتجاوز اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة (QIZ) التي لطالما اعتمدت على مُكوّن إسرائيلي بنسبة 10.5%، حيث يُنتظر أن يوفر الاتفاق الجديد دخولًا أوسع للمنتجات المصرية إلى السوق الأميركية دون هذه الشروط. ويستبشر رجال أعمال مصريون بالاتفاق، إذ كشف عمر مهنا، رئيس مجلس الأعمال المصري الأميركي، عن اهتمام نحو 50 شركة أميركية بدراسة فرص الاستثمار في مصر خلال هذا العام وحده، إلا أن مراقبين حذروا من أن الاتفاق قد يتحول إلى "بوابة خلفية" لدخول منتجات تركية أو صينية إلى السوق الأميركية عبر مصر، مما يهدد بتشديد أميركا لشروط "قواعد المنشأ" بما ينسف الجدوى التجارية للاتفاق. دعم بلا إصلاح... وفساد يهدد المكاسب رغم الرهانات الرسمية، يحذّر خبراء اقتصاديون من أن الامتيازات الأميركية لن تُحْدِثَ فرقًا جوهريًا في الاقتصاد المصري ما لم يتم التعامل بجدية مع المشاكل الهيكلية، مثل البيروقراطية، والفساد، وتعقيدات الموانئ، وتفاوت معايير الجودة. وبينما تُروّج حكومة الانقلاب للاتفاق كفتح اقتصادي جديد، تُظهر أرقام التبادل التجاري أن الفجوة لا تزال كبيرة؛ إذ بلغت الصادرات المصرية للولايات المتحدة 2.5 مليار دولار فقط مقابل واردات بقيمة 6.1 مليارات دولار في 2024، ما يعكس خللًا مستمرًا في الميزان التجاري رغم الشراكات القائمة منذ سنوات. هل هناك تهديد داخلي يدفع السيسي للارتماء في أحضان واشنطن؟ من غير المستبعد، بحسب بعض المراقبين، أن يكون هذا الاندفاع المفاجئ نحو واشنطن نتيجة مخاوف داخلية لدى النظام المصري، سواء من تصدّع في الجبهة الداخلية بفعل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، أو من تحولات إقليمية تضعف الدور المصري وتُعزز نفوذ خصومه. ويشير محللون إلى أن السيسي قد يرى في الدعم الأميركي – ولو الرمزي – شبكة أمان في مواجهة أي ضغوط داخلية، أو حتى تحركات دولية لاحقة تمسُّ استمراره في الحكم، خاصة بعد تراجع حضور مصر الإقليمي، وتردد بعض حلفائها التقليديين في تقديم مساعدات جديدة. السيسي يُقامر في ظل هذا السياق المعقد، يبدو أن السيسي يقامر بمقدرات الدولة المصرية، ليس من أجل انتعاش اقتصادي حقيقي، بل في سبيل انتزاع اعتراف سياسي من إدارة أميركية قد تعود أو لا تعود إلى السلطة، ويبقى السؤال الأهم: هل يمكن أن تُثمر هذه التنازلات دعمًا مُستدامًا، أم أنها مجرد رهانات خاسرة في لعبة مصالح لا ترحم؟