في مشهد بات مألوفًا من سياسة الاقتراض قصير الأجل، أعلن البنك المركزي المصري عن طرح جديد لأذون خزانة دولارية غدًا الاثنين بقيمة 450 مليون دولار لأجل عام، لتحل محل أذون مستحقة بقيمة 500.6 مليون دولار بعائد بلغ في السابق 5.149%، في محاولة جديدة لتدوير الديون في ظل أزمة مالية خانقة تتحمل تبعاتها الدولة والمواطن على حد سواء. سياسة تدوير الديون لم يعد الحديث عن أدوات الدين المحلية مجرد شؤون مالية تقنية، بل صار انعكاسًا لأزمة هيكلية أعمق، فقد طرح البنك المركزي أمس الأحد أذون خزانة محلية بقيمة 50 مليار جنيه، فيما يعتزم غدًا إصدار سندات خزانة بقيمة 24.5 مليار جنيه بأجال تتراوح بين عامين وخمسة أعوام، وبعائدات ثابتة ومتغيرة، وفي الأسبوع الماضي، باع البنك سندات بقيمة 22.69 مليار جنيه بمتوسط عوائد مرتفعة تراوحت بين 19.25% و22.35%، في حين بلغ العائد على أذون الخزانة قصيرة الأجل 28.03% لأجل 3 أشهر، ما يشير إلى كُلفة اقتراض باهظة تعكس فقدان الثقة في الأوضاع المالية للدولة. فجوة تمويلية هائلة.. وديون لا تتوقف وفق مشروع موازنة العام المالي المقبل 2025/2026، تتوقع الحكومة فجوة تمويلية تتجاوز 3.6 تريليونات جنيه (نحو 70 مليار دولار)، بزيادة تتخطى 25% عن العام السابق، وهو ما سيدفعها لطرح أدوات دين جديدة بقيمة أكثر من 3.1 تريليونات جنيه، موزعة بين أذون بقيمة 2.2 تريليون وسندات بقيمة 928.9 مليار جنيه. رأي معارض:"نقترب من حافة الإفلاس" ويرى الخبير الاقتصادي ممدوح الولي، نقيب الصحفيين الأسبق ورئيس مجلس إدارة الأهرام الأسبق، أن "الاعتماد المفرط على أدوات الدين المحلية والدولارية لم يعد مجرد حل مؤقت، بل أصبح سلوكًا دائمًا يعكس غياب رؤية اقتصادية حقيقية، ويفتح الباب أمام خطر الإفلاس الفعلي أو العجز عن سداد الديون في المدى المتوسط". وأضاف الولي: "ما يحدث الآن هو مجرد إعادة تمويل لدين بدين، دون تحقيق نمو حقيقي في الناتج المحلي أو الإيرادات العامة، وهو ما سيؤدي عاجلًا أو آجلًا إلى مزيد من الضغوط على العملة، ورفع الضرائب، وتقليص الدعم، وزيادة التضخم." خفض للفائدة رغم التضخم وفي خطوة مثيرة للجدل، خفض البنك المركزي المصري أسعار الفائدة بواقع 1% الشهر الماضي، بعد خفض سابق قدره 2.25%، في إطار ما يصفه بسياسة التيسير النقدي، رغم استمرار معدلات التضخم المرتفعة، وهو ما يعكس محاولة لتقليل كلفة خدمة الدين، لكنها قد تؤدي إلى مزيد من هروب الاستثمارات قصيرة الأجل الأجنبية من أدوات الدين المصرية. وعود رسمية متفائلة رغم كل المؤشرات المقلقة، تواصل الحكومة بث رسائل طمأنة، فقد توقعت وكالة "فيتش" – وفقًا لبيان حكومي – أن يتراجع الدين الحكومي إلى 50.2% من الناتج المحلي بحلول 2033/2034، لكنها إشادة مشروطة بنجاح الإصلاحات، التي ما زال كثير من الخبراء يشككون في جدواها في ظل الهيمنة الأمنية على الاقتصاد. تطورت أذون وسندات الخزانة في عهد السيسي (2013 - 2025) السنة المالية إجمالي أذون الخزانة (مليار جنيه) إجمالي سندات الخزانة (مليار جنيه) ملاحظات 2013/2014 552 404 آخر موازنة في عهد الرئيس الشهيد مرسي 2016/2017 1,100 645 تعويم الجنيه أدى لزيادة الاقتراض 2019/2020 1,309 998 بعد برنامج صندوق النقد الأول 2022/2023 2,040 1,128 بداية أزمة نقص الدولار 2024/2025 (تقديري) 2,450 1,180 توسع شديد في الاقتراض المحلي 2025/2026 (مشروع) 2,200 928.9 تغطية فجوة تمويلية غير مسبوقة في ظل الاعتماد المتزايد على أدوات الدين قصيرة الأجل، وغياب استراتيجية تنموية إنتاجية واضحة، تبدو مصر في طريق محفوف بالمخاطر المالية، وبينما تعوّل الحكومة على التيسير النقدي ووعود المؤسسات الدولية، تبقى الأعباء الثقيلة على كاهل المواطن الذي يتحمل ارتفاع الأسعار، وتدهور الخدمات، وتآكل الدخول، في ظل سياسة اقتصادية لم تفرز سوى دولة مدينة ومجتمع مُثقل بالضرائب.