لا تزال تحذيرات الخبراء من بيع أملاك الأوقاف تتوالى عقب قرار حكومة الانقلاب بإجراء حصر شامل لهذه الأملاك تمهيدا لطرحها على القطاع الخاص، وهو ما آثار غضبا فى الشارع المصرى، خاصة وأن هذه الأملاك لا تملكها حكومة الانقلاب وإنما تديرها فقط عبر وزارة الأوقاف .
وأكد الخبراء أن حكومة الانقلاب لا يحق لها التصرف فى أملاك الأوقاف بالبيع للقطاع الخاص أو غيره، وإنما من الممكن التعاون فى إدارتها فقط من خلال شركات متخصصة لتعظيم العائد منها وزيادة إيراداتها.
كان مصطفى مدبولى، رئيس وزراء الانقلاب، قد وجه أسامة الأزهرى، وزير أوقاف الانقلاب بإجراء حصر شامل ومُميكن لجميع أملاك هيئة الأوقاف، على أن يشمل مختلف الأراضى والمبانى السكنية والتجارية وغيرها.
وطالب مدبولى بحصر الفرص الاستثمارية المتاحة من قبل هيئة الأوقاف ودراستها، تمهيدًا لطرحها على القطاع الخاص من أجل الشراكة، بهدف تعزيز كفاءة الإدارة والتشغيل لمختلف هذه الفرص وفق تعبيره.
وزعم أن أى مشروع تنفذه الهيئة بالشراكة مع القطاع الخاص سيحظى بالدعم الكامل من جانب حكومة الانقلاب لافتا إلى أن إيرادات هيئة الأوقاف تبلغ نحو ثلاثة مليارات جنيه سنويًا، ومن خلال إدارة أفضل لهذه الأملاك يمكن مضاعفة هذه القيمة بشكل أكبر، وبالتالى تنفق المخصصات للغرض الأساسى الذى أنشئ الوقف الخيرى من أجله.
مؤتمنة على إدارتها
فى هذا الصدد، قالت الدكتورة عالية المهدى، عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الأسبق، إن حكومة الانقلاب لا تملك أملاك الأوقاف وإنما هى مؤتمنة على إدارتها وليس بيعها أو التصرف فيها.
وأضافت «عالية المهدى» فى تصريحات صحفية: إذا لم تكن حكومة الانقلاب قادرة على إدارة الأوقاف فيجب عليها إعادتها لأصحابها، مشيرة إلى أنه من حق حكومة الانقلاب إجراء حصر لأملاك الأوقاف لكنها لا تستطيع البيع، لأنها أملاك خاصة وليست عامة.
وأوضحت أن الوقف يوقفه فرد أو أسرة لهدف محدد، ثم يمنحوا إدارة هذا الوقف لدولة العسكر، وبالتالى إذا كانت دولة العسكر لا تستطيع إدارة هذا الوقف، فعليها إعادته إلى أسرة صاحب الوقف أو أحفاده، مشيرة إلى أن الاستغلال الأمثل للأوقاف لابد أن يتناسب مع الغرض الذى قرره أصحابه عند وقف هذه الأصول.
وتابعت : لا يحق لحكومة الانقلاب بيع الأوقاف لأنها لا تملكها، لكنها من الممكن أن تستعين بشركات متخصصة فى الإدارة من أجل إدارتها مقابل نسبة معينة من الإيرادات ولتكن 10 أو 15%، لكنها تظل فى النهاية للغرض الذى أوقفت من أجله، ومهارة هذه الشركات تتمثل فى تعظيم العائد من الأوقاف والحصول على نسبة مقابل هذه الإدارة .
شروط الواقف
وقال السفير محمد مرسى، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن أملاك الأوقاف هى ممتلكات أوقفها أصحابها لأوجه البر والخير ولا يجوز تغيير إرادة واقفيها أو الالتفاف عليها لتوجيه ريع هذه الأوقاف فى غير الغرض المحدد لها.
وأضاف «مرسى» فى تصريحات صحفية: حكومة الانقلاب لا تملك حق التصرف فى هذه الممتلكات مهما أصدرت من قوانين وتشريعات ولوائح، وأية قوانين تفتئت على حق واقفى هذه الممتلكات فى تحديد الغرض من استخدامها تخالف الشرع والدين .
وأشار إلى أنه قد نتفهم أن يكون هدف الحصر هو تصحيح المخالفات القائمة ووضع ضوابط لحسن توظيف هذه الأموال والممتلكات وتعظيم العائد منها، ومن هنا فقط يمكن طرح بعض هذه الممتلكات لفكرة الإدارة أو التأجير لفترة زمنية لا تتجاوز العشرين أو الخمسة والعشرين عامًا فقط وبضوابط محددة وواضحة وشفافة.
وتابع «مرسى» : أما غير ذلك فهو توجه وقرار خاطئ وظالم وفيه إهدار للثروات ولشريعة الله فيها مهما أصدرت دولة العسكر من قوانين ولوائح .
وأكد أن بيع ممتلكات دولة العسكر مسألة غاية فى التعقيد والخطورة والحساسية ونتعامل معها بكثير من القلق والشك فى أحيان كثيرة، فما بالنا بممتلكات الأوقاف التى هى فى الأساس ملكية فردية لم يهبها أصحابها لحكومة الانقلاب أو لدولة العسكر بل لأعمال الخير؟.
عدم الثقة
فى المقابل قال الخبير الاقتصادى، الدكتور على الإدريسى، إن مسألة أملاك الأوقاف لها شقين، الأول أن يكون لدى حكومة الانقلاب أصول وتريد استثمارها وزيادة عوائدها وتنميتها واستغلالها بشكل أمثل، وبالتالى تقوم بإجراء حصر لها بشفافية كاملة، وهو شق إيجابى وجيد.
وأضاف «الإدريسى» فى تصريحات صحفية : الشق الثانى هو وجود عدة تخوفات من هذا الحصر أبرزها التجربة السابقة فى استثمار أموال المعاشات فى عهد وزير مالية المخلوع يوسف بطرس غالى، والتى تم إهدارها، ولازالت حكومة الانقلاب تسددها للتأمينات منذ 20 عاما ولم تنته حتى الآن.
وتابع : هناك الكثير من الوعود التى قدمتها حكومة الانقلاب ولم تنفذ سواء لأسباب داخلية أو خارجية، وهناك حالة من عدم الثقة الكاملة فى جدية استثمار هذه الأموال، والتخوف من استغلال القطاع الخاص للاستفادة منها، وليس لاستفادة أصحابها، لكن فى النهاية نحن فى حاجة بالفعل إلى حصر أملاك الأوقاف وتقدير فعلى لحجمها والعمل على استغلالها بشكل أمثل .
مشروعات شراكة
وأشار «الإدريسى» إلى أنه قبل كل ذلك لابد أن يكون واضحا للجميع من هو صاحب قرار الاستثمار وكيف سيتصرف فى هذه الأموال، وما العائد المتوقع منه بالشكل الذى يحافظ على هذه الأملاك.
وأوضح أن حكومة الانقلاب هى المنوطة بإدارة أى أملاك تديرها أحد مؤسساتها وزارة أوقاف الانقلاب تتبع حكومة الانقلاب ، وبالتالى يمكنها التصرف فى هذه الأملاك بطرحها على القطاع الخاص من خلال مشروعات شراكة وليس بيع، تضمن مكاسب لدولة العسكر بنظام حق الانتفاع بحيث تعود لدولة العسكر بعد انتهاء مدة الانتفاع سواء 25 سنة أو غيره.
ولفت «الإدريسى» إلى أن العائد من طرح هذه المشروعات يتوقف على اختيار الأصول التى يمكن طرحها ولمن سيتم طرحها وكيف سيتم الطرح وغيرها من التفاصيل.
وأكد أن أراضى الأوقاف فقط تقدر بمليارات الجنيهات، بالإضافة إلى التعديات عليها التى إذا نظرت حكومة الانقلاب إليها وقامت بحل هذه النزاعات القانونية وعمل تصالح مع المتعدين، فإنها تستطيع جمع مليارات الجنيهات فى فترة زمنية قصيرة.