عيد تحت الحصار.. غزة تتألم بين تجويع السيسي وخذلان الخليج و غياب الزخم الشعبي

- ‎فيتقارير

"عيد؟ بأي حالٍ عدت يا عيد؟" تسأل أم أحمد من قلب غزة، وهي تجهّز قدر عدس صغير لتطعمه لأطفالها وتوزع منه على أرواح الشهداء، بعدما بات لحم الأضاحي ذكرى  بعيدة في ظل مجاعة مستمرة، وعدوان لم يتوقف منذ شهور، وحصار مشترك تمارسه إسرائيل ويباركه نظام  المنقلب الصهيونى عبد الفتاح السيسي، في ظل صمت  عربي .

ومضت أم أحمد في القول: "ها نحن، مع قرب عيد الأضحى الثاني، ما زلنا صابرين ومحتسبين، وسنصلي صلاة العيد، إن أطال الله في أعمارنا، وسأطبخ لصغاري عدسا، وسأوزّع منه على أرواح شهدائنا الكرام"، مبرزة: "سئمنا من مناشدة العالم للتحرّك، لوقف همجية الاحتلال الإسرائيلي التي تستهدفنا واحدا تلو الآخر، الآن نوجّه مطالبنا لله فقط، أن يجبر القلوب هنا، وأن تتوقّف هذه الإبادة الجماعية".

"عدوان الاحتلال الإسرائيلي علينا، سرق منّا أعمارنا وفرحتنا، واغتصب حقوق الأطفال البسيطة من قبيل: اللعب والتعليم، كما حرمهم من الذهاب إلى المدارس والتعلم والقراءة، هكذا فضلا عن حرماننا جميعا من العيد ومن أداء فريضة الحج، ومن الحياة برمّتها" ختمت أم أحمد ".

أسوأ عيد يمرّ على غزة منذ النكبة، لا مبالغة في هذا الوصف؛ ففي الوقت الذي تغلق فيه مصر معبر رفح، وتخنق القطاع بقرار سياسي لا إنساني، تغدق أنظمة الخليج تريليونات الدولارات على صفقات التسلّح والترفيه في واشنطن ولندن، بينما يذبل أطفال فلسطين جوعًا وقهرًا.

وقال لؤي، وهو أب لطفلين، يقطن في خيمة بخان يونس: "صغاري لم يشبعوا منذ أيام طويلة، ويخلدون للنوم وهم جياع، هذا إن لم يُكسر نومهم أصلا، جرّاء القصف العنيف، الذي ينكّس علينا معيشتنا، وراحتنا المسروقة"، مردفا: "هل تودّون معرفة كم عزيزا فقدنا، وكم جرحا قاومنا، فقط في عائلتي استشهد 21 فردا، كل واحد منهم كانت لهم أسرة، وأحلاما، وكان يفرح مع حلول الأعياد، لنا الله في غزة". بينهم أطفال كانوا ينتظرون كسوة العيد، فإذا بهم يرحلون بلا كفن. "غزة تُباد، والعالم يتفرج، بل بعض العرب يشاركون في القتل إما بالصمت، أو بالتضييق، أو بالخيانة المباشرة"، يضيف بمرارة.

لا عيد ولا حج.. فقط دم ودموع

للعام الثاني على التوالي، يُحرم سكان غزة من أداء فريضة الحج، ليس فقط بفعل الحرب، بل بسبب إغلاق المعابر من الجانبين، وغياب أي مسعى عربي حقيقي لتيسير الحج للفلسطينيين. حتى الأضاحي مُنعت، بعد أن حظرت إسرائيل دخول العجول والخراف، ودمّرت مزارع الدجاج.

"نبحث في العيد عن الطحين لا عن الأضاحي" كتب ناشط على منصة "إكس"، بينما وثّق آخرون آلاف الفلسطينيين وهم يتجمعون حول تكيّات بحثًا عن وجبة تسدّ الرمق. في المقابل، ترحب عواصم عربية برموز الاحتلال، وتعاقب شعوبها إذا تضامنت مع الأقصى.

أين الزخم الشعبي؟ في السجون!

اختفى زخم الدعم الشعبي لقضية فلسطين في الشارع العربي، لأن آلاف النشطاء والمنتمين لجماعة الإخوان المسلمين، والفاعلين في حملات دعم غزة، يقبعون في السجون منذ سنوات. الأنظمة التي طالما رفعت شعار "القضية المركزية"، تحوّلت إلى أدوات لقمع كل من يصدح باسم القدس، ويهتف لفلسطين.

"كنا نُعِدّ الكعك ونُزيّن البيوت ونشتري هدايا العيد"، تقول أم أحمد، قبل أن تنهار بالبكاء: "أما الآن، فنعدّ عدد الشهداء.. ونخاف من العيد لأنه يمر علينا ونحن تحت القصف، جوعى، ومقهورون".

شيخ الأزهر يستنكر.. ولكن من يستجيب؟

حتى الكلمات الصادقة التي صدرت عن شيخ الأزهر، واصفًا العدوان بأنه "فاق حدود الخيال"، لم تجد صدى في عواصم تُطبّع وتصفّق، وتضيّق على الفلسطينيين أكثر من المحتل نفسه. بينما وصف مقرّر الأمم المتحدة الوضع في غزة بأنه "إبادة جماعية وتجويع وجريمة ضد الإنسانية".

 

عيد الأضحى في غزة: دماء بدل الأضاحي.. وخيام بدل البيوت

في ظلّ أكثر من 178 ألف شهيد وجريح، وآلاف المفقودين، وغياب الغذاء والدواء، يحتفل العالم بعيد الأضحى.. بينما يعيش الفلسطينيون عيدًا من الألم، سببه الأول إسرائيل، وشركاؤها في الحصار من العرب.

غزة لا تجوع فقط بسبب الاحتلال، بل أيضًا بسبب يد عربية خانت، ويد أخرى سكتت، ويد ثالثة تلطّخت بالدم.