قدم الباحث د.سامح مسلم مقترحا يشمل خمس مراحل رئيسية ضمن بحث بعنوان (أزمة الإيجار القديم في مصر: معاناة اجتماعية وخسائر اقتصادية تبحث عن حل) عبر فيسبوك من شأنه توفير "شبكة أمان اجتماعية قوية تحمي المستأجرين من تبعات التحرير. فالزيادة المتدرجة المدعومة بصندوق تمويلي وحزم المساندة تعني عدم حدوث عمليات طرد جماعي أو تشريد للأسر منخفضة الدخل. ".
ويمنح الحل الذي طرحه (المالك) حقه تدريجيًا في التمتع بعائد عادل من ممتلكاته، وفي الوقت نفسه لا يهدم استقرار (الأسر المستأجرة) بل يمنحها الوقت والدعم للتكيف مع الواقع الجديد.
وأضاف أن الحل المبتكر قادر عبر تحرير السوق العقارية من القيود القديمة بطريقة سلسة ومدروسة، ونهج مرحلي مدعوم (بصندوق مالي وضوابط عادلة، يمكن تفادي الصدمات الاقتصادية والاجتماعية التي طالما أثارت المخاوف).
وأشار إلى أن الصراع المزمن بين (المالك) و(المستأجر) لا بد ان يحل بصورة ترضي الطرفين وتحفظ استقرار المجتمع ليستعيد القانون دوره الطبيعي في تنظيم العلاقة الإيجارية بشكل حديث ومتوازن، وتنتهي حقبة طويلة من التشوهات لصالح نهضة عمرانية وسكنية يستفيد منها الجميع.
5 ملامح رئيسية للحل المقترح
وملامح الحل المقترح من د. سامح مسلم تعتمد على 5 ملامح رئيسية هي: "..التأجير الثانوي بسعر السوق للمستأجرين القدامى.. وإنشاء صندوق تمويلي لدعم المرحلة الانتقالية.. وآلية تدريجية لتحرير الإيجارات خلال 5–10 سنوات.. وحوافز للإخلاء الطوعي للمستأجرين القادرين.. وتقييم عادل لقيمة العقارات وتحديد الإيجارات".
1. التأجير الثانوي بسعر السوق للمستأجرين القدامى
يقترح "مسلم" السماح للمستأجر القديم بتأجير وحدته السكنية من الباطن بقيمة السوق الحالية. بمعنى أن بإمكان المستأجر الذي يشغل وحدة إيجار قديم أن يؤجرها بدوره إلى مستأجر جديد بسعر السوق الحر، مقابل نسبة متفق عليها أو وفق ضوابط تقرها الدولة. في هذه الحالة يحقق المستأجر القديم دخلًا إضافيًا يمكنه من تحسين أوضاعه السكنية أو تحمل الزيادات المستقبلية، وفي الوقت نفسه يرتفع العائد المالي للمالك تدريجيًا نتيجة اشتراط زيادة جزء من الإيجار الأصلي سنويًا.
وأضاف أن "هذا الإجراء يضمن الاستغلال الأمثل للوحدة السكنية بدلًا من بقائها بإيجار زهيد أو مغلقة، ويحقق فائدة مشتركة لجميع الأطراف: المستأجر القديم يستفيد ماليًا، المستأجر الجديد يحصل على وحدة ربما لم تكن متاحة له، والمالك يبدأ في تحصيل إيجار أعلى بصورة متدرجة. بالطبع ينبغي تنظيم هذه العملية قانونيًا لضمان حقوق الجميع، كتحديد أن يكون عقد التأجير الثانوي لفترة انتقالية محدودة ريثما تتم إجراءات التحرير الكامل.
2. إنشاء صندوق تمويلي لدعم المرحلة الانتقالية
واقترح الباحث أيضا دعم مالي مخصص للمرحلة الانتقالية، من خلال "..إنشاء صندوق تمويل يساهم فيه كل من الحكومة والقطاع الخاص (وربما منظمات المجتمع المدني والبنوك)، هدفه تمويل تعويضات للملاك وتقديم دعم محدود للمستأجرين غير القادرين خلال فترة التصحيح.
وقال إنه "..يمكن للصندوق أن يصرف منحًا أو تعويضات مباشرة لأصحاب العقارات التي ظلت لعقود بإيجارات متدنية مقابل التزامهم بعدم طرد المستأجر لحين انتهاء الفترة الانتقالية".
وأضاف أنه "يقدم الصندوق مساعدات إيجارية مؤقتة للمستأجرين محدودي الدخل لتعويض جزء من أي زيادة تطرأ على إيجارهم ضمن جدول التحرير".
واعتبر أن "الصندوق يُحقق طمأنة للطرفين: المالك يشعر أن هناك جهةً تسانده ماليًا لتخفيف خسائره المتراكمة، والمستأجر الفقير يضمن وجود شبكة أمان اجتماعي عند ارتفاع الإيجار. ومن جهة أخرى، يخفف الصندوق العبء عن كاهل الحكومة بحيث لا تتحمل وحدها كلفة الدعم طوال فترة التحول".
3. آلية تدريجية لتحرير الإيجارات خلال 5–10 سنوات
ويقترح أيضا "جدول زمني واضح يتم خلاله رفع القيود عن عقود الإيجار القديمة بصورة تدريجية وصولًا إلى التحرير الكامل. يُمكن تحديد مدة انتقالية تتراوح بين 5 إلى 10 سنوات يتم بنهايتها إلغاء العمل بالنظام القديم نهائيًا. خلال هذه الفترة، تُفرض زيادة سنوية منتظمة على القيمة الإيجارية (مثلاً بنسبة معينة أو مبلغ ثابت سنويًا فوق الإيجار الحالي) بحيث تقترب الإيجارات تدريجيًا من مستوى القيمة العادلة".
واعتبر أن "هذا التدرج يمنح المستأجرين مهلة كافية لإعادة ترتيب أوضاعهم المعيشية والمالية، سواء بالبحث عن سكن بديل أو تدبير موارد إضافية لسداد الإيجار الأعلى. وفي المقابل يحصل المالك على زيادة مطردة في دخله السنوي تخفف الظلم الواقع عليه وتعيد لعقاره قيمته. ولضمان نجاح هذه الآلية لا بد أن تكون منصوصة في القانون الجديد بشكل إلزامي حتى يلتزم بها الجميع".
وأشار إلى أن "صانع القرار نفسه يدرك أهمية التدرج؛ لافتا إلى أن "مدبولي" أكد أن أي زيادة في الإيجارات القديمة لن تطبق إلا بعد مرحلة انتقالية تضمن التدرج في التنفيذ ومراعاة الفئات غير القادرة على تحمل زيادات مفاجئة ..
4. حوافز للإخلاء الطوعي للمستأجرين القادرين
وطرح نموذج "مسلم" حوافز مشجعة للمستأجرين القدامى القادرين ماديًا على إخلاء الوحدة طوعًا قبل انتهاء الفترة الانتقالية. ومن شأنها أن تكون تعويضات مالية مجزية تُدفع للمستأجر الذي يُبادر بترك الشقة للمالك لإنهاء العلاقة الإيجارية مبكرًا، أو توفير وحدة سكنية بديلة بتسهيلات معينة (مثلاً أولوية في مشروعات الإسكان الاجتماعي أو الإسكان المتوسط).
وأضاف أن بعض المستأجرين ربما يشغلون وحدات قديمة ليس لحاجتهم الماسة لها وإنما لانخفاض إيجارها، بينما يستطيعون تدبير سكن آخر إذا توفرت لهم موارد إضافية أو دعم مناسب. وأن إغراء هؤلاء بحوافز للإخلاء يحقق هدفين: تحرير الوحدة سريعًا ليرتاح المالك ويستغلها، وحصول المستأجر على مقابل يساعده في تأمين مسكن جديد دون خسارة كبيرة. هذه المقاربة الطوعية أقل كلفة اجتماعيًا من اللجوء إلى المحاكم والإخلاء الجبري، وتخلق مناخًا من التعاون بدل الصراع بين الطرفين.
5. تقييم عادل لقيمة العقارات وتحديد الإيجارات
ويرتكز المقترح على "وضع معايير عادلة لتقييم الوحدات السكنية وتحديد القيمة الإيجارية المناسبة لها خلال وبعد الفترة الانتقالية. مضيفا أنه "لا يمكن تطبيق التحرير التدريجي أو زيادة الإيجارات بشكل عشوائي أو موحد على كل العقارات؛ إذ تختلف قيمتها باختلاف الموقع والمساحة والحالة العمرانية".
ودعا إلى تقييم يعتمد على معايير موضوعية مثل: موقع العقار ومساحته، وحالته (قديمة ومتهالكة وأخرى بحالة جيدة)، وكذلك متوسط أسعار الإيجار الحر في المنطقة المحيطة.
وأشار إلى أنه بناءً على هذه العوامل يمكن تحديد الزيادة السنوية أو القيمة النهائية المستهدفة للإيجار بشكل منصف. هذا التقييم العادل يحقق التوازن المنشود: فلا يُمكن لمالك عقار في حي راقٍ تأجير شقته القديمة بنفس قيمة إيجار شقة في حي شعبي فقط بحجة تحرير القانون، والعكس صحيح أيضًا إذ لا يجب فرض زيادات مرهقة على مستأجر في بناية قديمة متهالكة كمن يسكن في عقار حديث.
مزايا اقتصادية واجتماعية
ورأى سامح مسلم أن المقترح الذي قدمه "يحقق توازنًا اقتصاديًا حقيقيًا بين حقوق الملاك واستقرار المستأجرين. فالملاك سيبدأون بالحصول على عوائد أعلى بشكل تدريجي مما يرفع الظلم المالي عنهم ويشجعهم على الاستثمار في صيانة عقاراتهم وتطويرها بعد سنوات من الجمود ".
كما يحقق "زيادة المعروض من الوحدات (بتأجير الشقق المغلقة أو إخلاء بعضها) ما ينعش السوق العقاري وضبط معدلات الإيجار بشكل عام كما ينعش حركة البناء والبيع والشراء ما يزيد فرص العمل والنمو الاقتصادي ويعظم قيمتها.
ومن فوائده اجتماعيًا: يوفر التصور المطروح شبكة أمان اجتماعية قوية تحمي المستأجرين من تبعات التحرير. فالزيادة المتدرجة المدعومة بصندوق تمويلي وحزم المساندة تعني عدم حدوث عمليات طرد جماعي أو تشريد للأسر منخفضة الدخل. بحسب الباحث.
وأضاف "البعد الإنساني في هذا الحل جليٌّ، حيث تُوازن معاناة المالك المزمنة مع عدم الإضرار بمصلحة المستأجر الذي التزم بالقانون لعقود. وهذا التوازن الاجتماعي عنصر أساسي لضمان استدامة أي إصلاح تشريعي يتعلق بالإسكان".
كما يرى انه يعتمد على مرونة التطبيق وقابليته للتنفيذ: مقترحا تقسيم الحل إلى مراحل زمنية وخطوات فرعية، مع تقييم مستمر لكل مرحلة وضبط السياسات بناء على النتائج المحققة.