بنظام القائمة المُغلقة المُطلقة..الانقلاب “يُفصّل” انتخابات برلمان السيسي على مقاسه

- ‎فيتقارير

 

مع اقتراب موعد انتخابات برلمان السيسي التي تجرى نهاية العام الحالي، يعمل نظام الانقلاب على هندسة هذه الانتخابات على طريقته، بحيث يقتنص أكبر نسبة من عضوية مجلسي النواب والشيوخ، وحرمان أى أصوات معارضة من فرصة الفوز أو المشاركة في البرلمان .

في هذا السياق جاءت تعديلات قانون مجلس نواب السيسي وقانون مجلس شيوخ العسكر الصادر بالقانون رقم 141 لسنة 2020، والتي تعتمد على نظام القائمة المُطلقة المُغلقة لتوزع مقاعد البرلمان على طريقتها فتمنحها من تشاء وتحرم منها من تشاء، وفي النهاية الهدف هو دعم استبداد السيسي وتشكيل برلمان "شخشيخة" يمرر ما يُملى عليه من عصابة العسكر .

 

يشار إلى أنه منذ عام 2015، تنظم الانتخابات البرلمانية وفق نظام “القائمة المُغلقة المُطلقة”، المثير للجدل، والذي ترفضه أحزاب المعارضة بشدة، فيما تُصرُّ عليه حكومة الانقلاب وأحزاب الموالاة، وفقًا لهذا القانون تُقسم البلاد إلى دوائر انتخابية، يُخصص لكل منها عدد محدد من المقاعد تُملأ بقوائم حزبية أو ائتلافية مغلقة، بحيث يصوّت الناخب للقائمة ككل وليس لأفراد بعينهم داخلها.

وتُعد القائمة مغلقة مطلقة، لأن الناخب لا يستطيع تغيير ترتيب الأسماء داخل القائمة أو اختيار مرشحين منها، كما أن الفوز يكون للقائمة التي تحصل على الأغلبية المطلقة من الأصوات (50% +1) لتحصد جميع مقاعد الدائرة، دون توزيع نسبي على باقي القوائم المتنافسة. 

 يطبق النظام، بعد إقرار القانون رقم 46 لسنة 2014 الخاص بمجلس نواب السيسي، والذي نصَّ على تخصيص 120 مقعدًا لنظام القوائم المغلقة المطلقة، إلى جانب مقاعد أخرى يجري التنافس عليها بالنظام الفردي، وقد استمر هذا النظام أيضًا في انتخابات 2020 بنفس الآلية، وسط جدل حول مدى تحقيقه للعدالة التمثيلية، لا سيما أنه يعطي الأفضلية المطلقة للقائمة الفائزة ويحرم القوائم المنافسة من أي مقاعد حتى وإن حصلت على نسب تصويت مرتفعة.

 

تعديلات شكلية

 

من جانبه قال الباحث الدكتور حسام مؤنس: "تعديلات قانوني انتخابات مجلسي النواب والشيوخ التي أقرها مجلس نواب السيسي تعديلات شكلية لا تمس من قريب أو بعيد جوهر القانون القائم أو النظام الانتخابي، مؤكدا أن هذه التعديلات تنهي تماما أي حديث عن إمكانية إجراء انتخابات جادة أو تنافسية أو بها الحد الأدنى من فرص التمثيل السياسي المُتنوّع والواسع بما يعبر عن تنوّع المجتمع، ويوجه ضربة جديدة لكل المحاولات والمساعي التي بُذلت من أجل حلحلة الكثير من الملفات والقضايا التي قد تمثل بوادر وخطوات نحو إصلاح سياسي جاد". 

وأضاف "مؤنس" في منشور على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، بغض النظر عن أقاويل البعض حول أنه لا توجد مشروعات ومقترحات بديلة طُرحت تحقق نظاما انتخابيا أكثر ملائمة وعدالة وأقدر على التمثيل الأوسع من خلال نظام القوائم النسبية، وهو ما يعرف كثيرون أنه ليس صحيحا ولا حقيقيا، لكن الأهم أن هذه التعديلات تأخرت وغابت لشهور ثم ظهرت فجأة . 

وأوضح أنه بدلا من أن تأخذ التعديلات وقتها في النقاش والحوار مع الأطراف السياسية المختلفة، وبدلا من أن يسعى أحد من هؤلاء الذين صوروا الأمر على أن هذا هو التصور الوحيد والنظام الانتخابي الممكن والمتاح، للبحث حقا عما إذا كانت هناك مشروعات جاهزة ومُعدّة تبلور وتحقق إمكانية نظام انتخابي مختلط يتضمن القائمة النسبية، أو يفكر مجلس نواب السيسي مثلا في دعوة أصحاب تلك الرؤى ووجهات النظر والمشروعات لطرحها وتقديمها، جرت بسرعة بالغة إقرار التعديلات المقدمة من الأحزاب المحسوبة على الانقلاب، واستمرار فرض بقاء الحال على ما هو عليه .

واختتم "مؤنس" بالقول : "هنيئا لهم ولمن يبحثون عن مقاعد في مجالس تشريعية دون انتخابات حقيقية وفرص تنافس جاد وإمكانيات تنوع في التمثيل والحضور السياسي والاجتماعي لمختلف القوى والتوجهات.

 

توزيع المقاعد

 

وأكد الدكتور مصطفى كامل السيد، -أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة-، أنه لا توجد أي دلائل أو تحركات تشير إلى وجود انتخابات برلمانية مقبلة، مشيرًا إلى أن الحديث عن هذا الأمر في الوقت الحالي يفتقر إلى أساس واقعي.

وقال السيد في تصريحات صحفية : "حتى الآن، لا توجد أي إعلانات رسمية بشأن موعد الانتخابات البرلمانية، ولا نعلم ما هو القانون الذي ستُجرى على أساسه، مشيرًا إلى أن السبب الحقيقي وراء هذا الغياب في الشفافية والمعلومات يتعلق بقيمة البرلمان ذاته". 

وأشار إلى أن مجلس نواب السيسي الحالي ليست له قيمة حقيقية، لا يمارس رقابة فعلية على حكومة الانقلاب أو على المال العام، ولا يلعب دورًا حيويًا في الحياة السياسية، كل ما يفعله هو تمرير قرارات حكومة الانقلاب دون مناقشة جادة، مؤكدًا أن غياب الاهتمام من قبل حكومة الانقلاب بمسألة الانتخابات يرجع إلى قناعتها بأن نتيجة هذه الانتخابات محسومة سلفًا، لا سيما في ظل النظام الانتخابي المعتمد، وهو القائمة الحزبية المغلقة المطلقة، والذي لا يسمح بأي منافسة حقيقية.  

وأضاف السيد : غالبًا ما يتم توزيع المقاعد بشكل مسبق بين الأحزاب المشاركة في هذه القوائم، والتي تحظى بدعم من الأجهزة الإدارية، لذلك لا توجد مفاجآت في نتائجها، وبالتالي برلمان السيسي المقبل، في حال أُجريت الانتخابات، لن يختلف كثيرًا عن البرلمان الحالي، متوقعا أن يتم تشكيله بنفس الطريقة، دون وجود معارضة حقيقية أو شخصيات مستقلة، وهو ما يُفقد العملية الديمقراطية معناها.  

وحول غياب الإشراف القضائي على العملية الانتخابية، اعتبر أن ذلك لن يُحدث فرقًا حقيقيًا، موضحًا أن هذا النظام الانتخابي الذي يعتمد على أن القائمة التي تحصد 51% من الأصوات تحصل على جميع المقاعد في الدائرة، يُفرغ العملية من مضمونها، ومع تقسيم البلاد إلى أربع دوائر انتخابية ضخمة، تصبح فرص الأحزاب الصغيرة في الفوز شبه معدومة.  

وأكد السيد أن هذا الواقع يؤدي تلقائيًا إلى فوز القوائم المدعومة من حكومة الانقلاب، سواء كان هناك إشراف قضائي أو لا، قائلاً: "من ينجحون هم أولئك الذين يحظون بمباركة سلطات الانقلاب، لذا لا يُشكّل وجود أو غياب القضاة في اللجان فرقًا جوهريًا في النتيجة".  

 

مؤشر خطير

 

وأكد طلعت خليل المنسق العام للحركة المدنية عضو المجلس الرئاسي لحزب المحافظين، أنه في حال استمرار غياب الشفافية والضمانات الحقيقية لعملية انتخابية جادة ونزيهة، ستفكر الحركة المدنية (التي تضم 10 أحزاب سياسية من قوى المعارضة) بشكل جدي في مقاطعة الانتخابات المقبلة. 

وقال خليل في تصريحات صحفية: إن "الإصرار على إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة وفق نظام القائمة المغلقة المطلقة هو مؤشر خطير على غياب النية لإجراء إصلاح سياسي حقيقي، مؤكدًا أن هذا النظام لا يمثل انتخابات بالمعنى الحقيقي، بل أشبه ما يكون بتعيينات مُغلّفة بمشهد انتخابي شكلي، أي توزيع مقاعد برلمانية كهِبات أو جوائز لمن ترضى عنهم سلطات الانقلاب". 

وأضاف أن أخطر ما في نظام القائمة المغلقة المطلقة هو أنه يصادر الحياة السياسية بالكامل ويقضي على فرص المنافسة، قائلًا: "حينما تُحسم كل المقاعد لصالح قائمة واحدة حصلت على 51% فقط، ويُقصى الباقي، فإننا لا نتحدث عن تمثيل شعبي، بل عن توزيع مُسبق للسلطة داخل البرلمان، هذا النظام يلغي التعددية ويقضي على أي فرصة للقوى السياسية الحقيقية للمشاركة . 

وتابع خليل: للأسف، أصبحنا نرى مقاعد البرلمان تُعرض وكأنها سلعة في مزاد سياسي، تُمنح لمن يدفع أكثر، أو تُخصص لمن يحوز رضا دوائر النفوذ، هذا الانحراف عن جوهر العملية الديمقراطية يهدد شرعية المؤسسة التشريعية ويفتح الباب أمام احتقان شعبي متزايد.

وحذر من خطورة استمرار تغييب السياسة، قائلًا: "نحن في لحظة تاريخية تعاني فيها مصر من اختلالات اقتصادية واجتماعية عميقة، ولا يمكن الخروج منها إلا بفتح المجال العام وتفعيل العمل السياسي، أما إذا ظلت حكومة الانقلاب تصادر السياسة وتتحكم في نتائج الانتخابات مقدمًا، فإننا نُقحم البلاد في مزيد من الأزمات".