في مفارقة صارخة تكشف عن الوجه الحقيقي لنظام المنقلب عبد الفتاح السيسي، وبينما أُغلقت أبواب مصر أمام "قافلة الصمود المغاربية" القادمة من دول المغرب العربي، والتي كانت تحمل مساعدات إنسانية وتهدف إلى كسر الحصار عن غزة، فتح النظام ذاته أبواب سيناء على مصراعيها لآلاف الإسرائيليين الفارين من نيران الحرب الإقليمية مع إيران، دون حتى الحاجة إلى تأشيرات، وبمجرد إبراز الهوية فقط.
تدفّق غير مسبوق شهده معبرا طابا ونويبع خلال الأيام الماضية، مع توافد أعداد ضخمة من الإسرائيليين، سُمح لهم بدخول الأراضي المصرية تحت لافتة "الترانزيت"، للإقامة لمدة يومين فقط في فنادق جنوب سيناء، تمهيدًا لمغادرتهم إلى وجهات دولية أخرى، هذا "الهروب الجماعي"، بحسب وصف مصادر بقطاع السياحة، شكّل معدلات إشغال فندقي وهمية، لا تعكس عودة حقيقية للنشاط السياحي، بل تُجسِّد سياسة النظام المصري في تقديم التسهيلات للعدو، مقابل التضييق على العرب والمسلمين المتضامنين مع غزة.
معدلات إشغال مضللة.. وعودة سياحية مؤجلة
أكد سامي سليمان، رئيس جمعية المستثمرين السياحيين بنويبع وطابا، أن نسبة الإشغالات الفندقية وصلت إلى 60% خلال الأيام الأخيرة، لكنها إقامة مؤقتة لا تتعدى اليومين، لا تعود بأي عائد حقيقي على قطاع السياحة، بل تمثل "حالة ترانزيت اضطراري" للإسرائيليين الباحثين عن مخرج آمن من البلاد.
مصدر مسؤول بغرفة المنشآت الفندقية شدّد على أن تلك القفزة في الإشغالات غير حقيقية، وقال إن بعض فنادق طابا ونويبع وصلت إشغالاتها الشهر الماضي إلى 5% فقط نتيجة استمرار الحرب على غزة، لافتًا إلى أن الزوار الحاليين لا يُعدّون سياحًا، بل هاربين من الحرب.
الدعم ممنوع لغزة.. والعبور مفتوح للإسرائيليين
المفارقة المؤلمة تكمن في توقيت هذه الأحداث، ففي الوقت الذي رفضت فيه السلطات المصرية استقبال قافلة مساعدات إنسانية لغزة، وضيّقت على كل أشكال التضامن مع القضية الفلسطينية، سمحت بدخول الإسرائيليين إلى العمق المصري، دون قيود حقيقية، حتى وهم يفرّون من صراع عسكري قد ينفجر إقليميًا في أي لحظة.
وزيرة النقل الإسرائيلية نفسها، ميري ريغيف، اعترفت بأن بلادها لا تسمح لمواطنيها بالسفر حاليًا، باستثناء الدبلوماسيين والسياح الأجانب الراغبين بمغادرة إسرائيل، وهو ما يطرح تساؤلات مشروعة: كيف تساهلت القاهرة مع هذا النزوح الإسرائيلي، في وقت كان يفترض فيه على الأقل التعامل بالمثل مع القضايا العربية، وعلى رأسها غزة المحاصرة؟
خسائر قطاع السياحة.. والحكومة تتنصل
وسط هذه التناقضات، يعاني قطاع السياحة المصري في جنوب سيناء من الانهيار منذ اندلاع الحرب على غزة، المستثمرون تقدموا بشكاوى رسمية تطالب بصرف مستحقات صندوق الطوارئ التابع لوزارة العمل، لكن الحكومة رفضت ذلك، بحجة توقف الحرب، رغم أن كل المؤشرات تشير إلى اشتعالها إقليميًا من جديد.
ويؤكد العاملون في القطاع أن عودة السياحة الحقيقية مرهونة بوقف الحروب في المنطقة، لكن الحكومة لا تقدم الدعم الكافي، بل تغض الطرف عن الأزمة وتبحث عن "مكاسب شكلية" عبر رفع نسب الإشغال المؤقتة، حتى لو كانت على حساب الكرامة الوطنية والموقف العربي الأصيل.
خيانة موثّقة أم سياسة دولة؟
هل هناك دليل أوضح من هذا على عمالة نظام السيسي؟ بينما يُحاصر الفلسطينيون، ويُقمع المتضامنون، تُفتح المعابر وتُجهَّز الفنادق لاستقبال الإسرائيليين، لا يعود الأمر لسياسة سياحية، بل إلى رؤية واضحة تنحاز علنًا للمحتل على حساب الشعب الفلسطيني، وتُفضّل استقبال الهاربين من إسرائيل على احتضان قوافل الدعم لغزة.
إنها سياسة تهدد الأمن القومي، وتُرسّخ خيانة كبرى، لا يمكن وصفها إلا بأنها اصطفاف رسمي مع العدو، وبيع صريح للقضية المركزية للأمة.