فشل بإنتاج الغاز وبدائل أكثر تكلفة .. هل تعود حكومة السيسي إلى “قطع الكهرباء ” في يوليو وأغسطس ؟

- ‎فيتقارير

 

رغم نفي رئيس حكومة الانقلاب  مصطفى مدبولي أن تشهد مصر أي تخفيف للأحمال خلال  شهري يوليو وأغسطس بصيف 2025، إلا أن المؤشرات الميدانية والبيانات الرسمية تكشف أن حكومة السيسي تواجه أزمة طاقة خانقة قد تدفعها إلى تكرار سيناريو الصيفين الماضيين، وسط أزمة سيولة حادة في الدولار واعتماد مفرط على الغاز الإسرائيلي المتذبذب، ما يهدد بعودة العتمة إلى منازل المصريين في ذروة الصيف.

 

منذ 13 يونيو الجاري، قطعت إسرائيل إمدادات الغاز عن مصر والأردن إثر تصعيد عسكري ضد إيران، قبل أن تستأنف التوريد جزئيًا بكميات ضئيلة (80 مليون قدم مكعب يوميًا بدلًا من 900 مليون)، وهو ما دفع الحكومة المصرية إلى وقف إمداد الغاز للقطاع الصناعي فورًا، ضمن ما سمته «خطة طوارئ أولويات الإمداد».

 

ورغم إعلان مدبولي لاحقًا أن الصيف الحالي لن يشهد تخفيفًا للأحمال، فإن الحكومة تتحرك على قدم وساق لتوفير بدائل مكلفة لتوليد الكهرباء، بعد أن بات الغاز الإسرائيلي -الذي مثّل 72% من واردات مصر من الغاز العام الماضي– مصدرًا غير مضمون في ظل التوترات الإقليمية.

 

فشل حكومي في إنتاج الغاز وبدائل أكثر تكلفة

 

يعاني قطاع الطاقة من فشل مزمن في تأمين مصادر مستقلة ومستقرة للغاز الطبيعي، حيث تراجع الإنتاج المحلي إلى 4.1 مليار قدم مكعب يوميًا، وهو أدنى مستوى منذ 7 سنوات، نتيجة لأسباب فنية في الحقول وتراكم مديونيات الحكومة للشركات الأجنبية، ما أدى إلى تراجع نشاطها الإنتاجي.

 

في المقابل، ارتفعت فاتورة استيراد الغاز بشكل جنوني، متجاوزة 19 مليار دولار هذا العام، مقارنة بـ12 مليارًا فقط العام الماضي. ولتعويض النقص، لجأت الحكومة إلى استئجار ثلاث وحدات تغويز (تحويل الغاز المسال إلى غاز قابل للضخ بالشبكة القومية)، بينها سفينتان ألمانيتان وأخرى نرويجية، لتصل القدرة الإجمالية إلى 2.25 مليار قدم مكعب يوميًا.

 

لكن رغم وصول هذه السفن، فإن بطء تجهيز الموانئ حال دون تشغيل بعضها حتى الآن. فبينما تعمل سفينة واحدة فقط حاليًا، يُتوقع دخول الباقيتين للخدمة تدريجيًا خلال نهاية يونيو وأول يوليو، وسط استمرار تفاوض مع قطر وتركيا لتأمين مزيد من شحنات الغاز المسال.

 

المازوت بديل مؤلم.. ومخزون مستورد

 

في محاولة يائسة لتفادي انقطاع الكهرباء، رفعت الحكومة اعتمادها على المازوت والسولار بمحطات التوليد إلى الحد الأقصى (24%)، ما يتطلب استهلاك 35 ألف طن يوميًا، في حين لا تنتج مصر سوى 17 ألفًا فقط، وتستورد الباقي. وتعتمد الحكومة على كميات مخزنة في خزانات ميناء سوميد بالعين السخنة لاستخدامها وقت الطوارئ.

 

لكن استخدام المازوت يضاعف تكلفة توليد الكهرباء بنسبة 30% مقارنة بالغاز، ما يزيد الضغوط على ميزانية الدولة المثقلة أصلًا بعجز كبير وارتفاع غير مسبوق في الدين الخارجي.

 

أعباء على المواطن.. فواتير صادمة وكروت مدفوعة مقدمًا

 

ورغم ما تبذله الحكومة من جهود مكلفة لتفادي العتمة، فإن الثمن يدفعه المواطن وحده. فمنذ أول أيام السيسي، تحولت الكهرباء من خدمة عامة إلى مصدر جباية، حيث رفع أسعارها أكثر من 20 ضعفًا، وفرض على المصريين نظام الكروت المدفوعة مقدمًا لتحصيل الفواتير قبل الاستهلاك.

 

كما أضيفت ضرائب ورسوم على كل خطوة في منظومة الكهرباء، من الشحن وحتى فواتير التوصيل، في ظل انفجار الأسعار بشكل غير مبرر. فواتير تصل إلى آلاف الجنيهات دون تفسير، تثير الغضب على مواقع التواصل، وتؤكد أن حياة المصريين تحولت إلى جحيم يومي بفعل سياسات الجباية والطاقة الفاشلة.

 

عام السيسي الأول كان مظلمًا.. والإنجاز الوحيد مهدد

 

رغم ما يردده النظام عن إنجازاته في ملف الكهرباء، يبقى هذا الإنجاز الوحيد في عهد السيسي مهددًا، إذ لم يتردد في أول صيف له بعد الانقلاب في 2014 أن يترك المصريين في ظلام دامس، قبل أن يستعين بمحطات "سيمنز" الألمانية ويدفع مليارات الدولارات في مشروعات مكلفة، لم تحل جذور الأزمة المرتبطة بالإنتاج المحلي والاستقلال الطاقي.

 

اليوم، تبدو حكومة السيسي مكشوفة وعاجزة عن تمويل واردات الغاز دون دعم خليجي، وتضطر للموافقة على شروط مجحفة مع شركات الطاقة، من زيادة حصص الشركات الأجنبية إلى رفع أسعار الشراء، ما يفاقم الكلفة ويرهق الاقتصاد.

 

هل يعود تخفيف الأحمال؟

 

كل المعطيات تشير إلى احتمال عودة تخفيف الأحمال خلال يوليو وأغسطس، رغم تعهدات مدبولي. إذ تواجه الحكومة عجزًا في الإنتاج، ومخاوف من تفاقم التوتر الإيراني الإسرائيلي بما يؤثر على الإمدادات.

 

كما أن فشل الحكومة في توفير مصادر مستقرة للعملة الصعبة عبر التصدير، واستمرار اعتمادها على استيراد الغاز بأسعار مرتفعة، يعني أن خيار "الظلام" قد يعود، سواء بشكل علني عبر تخفيف الأحمال أو ضمنيًا عبر ارتفاع الفواتير لحد العجز عن السداد.

 

في النهاية، قد تجد الحكومة نفسها أمام خيارين: إما إشعال المصابيح عبر استيراد غاز مكلف بالدين والاقتراض، أو إطفاؤها وترك المصريين مجددًا في "عتمة" يعرفونها جيدًا منذ صيف السيسي الأول.