في مشهد صادم يتكرر بصمت رسمي مريب، نفذت السلطات السعودية خلال الأيام الأربعة الماضية أحكام الإعدام بحق ستة مواطنين مصريين، وسط تحذيرات منظمات دولية من أن 26 آخرين يواجهون المصير ذاته قريبًا، بعد إدانتهم في قضايا تتعلق بتهريب المخدرات. وتأتي هذه التطورات الدامية في أعقاب زيارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الأخيرة للمملكة، وما تبعها من تكهنات عن ترتيبات داخلية تمهد لتصعيد محمد بن سلمان إلى العرش، في إطار ما يشبه “صفقة تمكين” شملت دفع تريليونات الدولارات ثمناً للحماية والدعم السياسي.
تنفيذ بالجملة وتهديد بإعدامات جماعية
وزارة الداخلية السعودية أعلنت، السبت 28 يونيو، عن تنفيذ حكم الإعدام بحق ثلاثة مواطنين مصريين، هم سعيد سليمان صالح دخيل، وأحمد غريب سليمان محمد، وخالد صالح سالم صالح، بعد إدانتهم بتهريب مواد مخدرة داخل المملكة. وسبق هذه الإعدامات ثلاثة آخرين خلال يومي الخميس والجمعة، ما يرفع عدد من أُعدموا إلى ستة في أقل من 72 ساعة.
اللافت أن تنفيذ هذه الأحكام تزامن مع تحذير أممي من “خطر وشيك لإعدام جماعي” بحق 26 مصريًا آخرين محتجزين في سجن تبوك، ما يمثل تهديدًا غير مسبوق لحياة عدد كبير من المصريين في آنٍ واحد، في قضايا لا تُصنف دوليًا ضمن “أخطر الجرائم” التي قد تُبرر عقوبة الإعدام.
تواطؤ مصري وصمت رسمي مريب
ورغم بشاعة المشهد، التزمت السلطات المصرية – وعلى رأسها نظام عبد الفتاح السيسي – صمتًا مطبقًا، دون إصدار أي تعليق رسمي أو تحرك دبلوماسي واضح. هذا الصمت ليس جديدًا، لكنه بات أكثر فجاجة في ظل تصاعد الاستهداف للمصريين بالخارج، وخاصة في المملكة، التي يفترض أن ترتبط مع القاهرة بعلاقات “أخوية” وتحالف سياسي واقتصادي وثيق.
الصمت الرسمي المصري، في ظل معلومات موثقة عن غياب ضمانات المحاكمة العادلة بحق الضحايا، يعزز اتهامات بالتواطؤ أو على الأقل الإهمال المتعمد. ويرى مراقبون أن النظام المصري لا يملك الإرادة أو القدرة على الدفاع عن رعاياه، في وقت باتت فيه السيادة الوطنية خاضعة لحسابات المال السياسي والصفقات الإقليمية.
هل الإعدامات جزء من صفقة تمكين بن سلمان؟
تأتي هذه الموجة من الإعدامات بعد زيارة دونالد ترامب للسعودية، والتي رافقتها تقارير عن حصوله على “جزية سياسية” تتجاوز التريليون ونصف دولار من ولي العهد محمد بن سلمان، تحت غطاء استثمارات وشراكات، وسط تكهنات بأن ذلك جزء من صفقة تشمل دعمه لتولّي العرش خلفًا لوالده.
ويذهب محللون إلى أن تصعيد وتيرة الإعدامات – خاصة بحق رعايا أجانب – قد يكون ضمن سياسة استعراض “الحزم” وفرض السيطرة، في محاولة لتأمين المشهد الداخلي قبل التحول الملكي. وتطرح هذه الإعدامات تساؤلات عن حجم الانتهاكات التي تُرتكب تحت لافتة “القانون”، بينما تُستخدم أحكام الإعدام كأداة ردع وقمع سياسي في مملكة تسعى إلى تغيير واجهتها دون تغيير جوهر سياساتها القمعية.
في ذكرى انقلاب السيسي.. مصر بلا قيمة؟
يأتي هذا المشهد المأساوي في توقيت بالغ الدلالة، إذ يتزامن مع الذكرى السنوية لانقلاب عبد الفتاح السيسي على أول رئيس مدني منتخب، الدكتور محمد مرسي، في 3 يوليو 2013. ومع مرور 12 عامًا على هذا الحدث، يبدو أن مصر قد تخلّت فعليًا عن أبسط مظاهر السيادة وكرامة المواطنين، بعدما أصبحت السلطة فيها تُدار لحساب الخارج، لا لحماية الداخل.
وبينما تُعدم حكومات أجنبية أبناء مصر، يقبع آلاف المصريين في سجون بلدهم، منهم من ينتظر مصيرًا مشابهًا، دون محاكمة عادلة أو جريرة حقيقية، في ظل نظام يسجن الشباب، ويعاقب الفقراء، ويخنق الحريات.
المنظمات الحقوقية تدق ناقوس الخطر
من جانبها، دعت المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة إلى وقف هذه الإعدامات فورًا، مؤكدة أن تهريب المخدرات لا يندرج ضمن الجرائم الأشد خطورة بحسب القانون الدولي، ما يجعل تنفيذ الأحكام خرقًا واضحًا لالتزامات السعودية بموجب العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
كما طالبت منظمات حقوقية مصرية الحكومة بالتدخل العاجل لوقف نزيف الأرواح، والتحقق من ملابسات المحاكمات، وضمان حقوق المعتقلين، لكن يبدو أن مناشداتها تصطدم بجدار صمت لا يُخترق في القاهرة.
في المحصلة، الإعدامات الأخيرة ليست فقط مأساة إنسانية، بل مؤشر خطير على تدهور مكانة المواطن المصري في عهد السيسي، وتحول الدولة إلى كيان بلا وزن سياسي أو دبلوماسي، لا يحمي أبناءه، ولا يملك حتى حق الاعتراض حين تُسفك دماؤهم ظلماً وعدواناً.