بعد 12 عامًا على انقلاب السيسي.. هروب المستثمرين الأجانب نتيجة فوضى اقتصادية وهيمنة عسكرية مطلقة

- ‎فيتقارير

 

بعد مرور أكثر من عقد على انقلاب عبد الفتاح السيسي وقيادات المؤسسة العسكرية على أول رئيس منتخب ديمقراطيًا في تاريخ مصر، الدكتور الشهيد محمد مرسي، يبدو أن الدولة تغرق في مستنقع اقتصادي متفاقم، تُوج بهروب متسارع للاستثمار الأجنبي، وعزوف شبه تام من القطاع الخاص عن التوسع داخل السوق المحلية، في ظل ما وصفه الخبراء بـ"البيئة الطاردة" التي تحكمها عقلية أمنية وسماسرة الجيش.

 

الجيش يدير الاقتصاد… والمستثمرون يدفعون الثمن

منذ 2013، أحكمت المؤسسة العسكرية قبضتها على الاقتصاد الوطني، ليس فقط عبر إدارة المشروعات الكبرى، بل بتحول الضباط إلى "سماسرة" يتحكمون في منح التصاريح والعقود، سواء للمستثمرين المحليين أو الأجانب، ضمن منظومة بيروقراطية فاسدة، تفتقر إلى الشفافية وتغيب عنها آليات السوق الحر. هذه الهيمنة العسكرية قضت على بيئة المنافسة، وأفقدت السوق المصرية جاذبيتها، رغم ما تمتلكه من فرص.

 

ورغم ما يروج له النظام من إصلاحات، إلا أن الواقع يعكس اتساع الفجوة بين الشعارات والممارسات، واستمرار تآكل الثقة في السياسات المالية والنقدية، مما يدفع المستثمرين إلى الخروج لا الدخول.

 

"بارومتر الأعمال": انهيار ثقة المستثمرين والاقتصاد في فوضى

أحدث تقارير "بارومتر الأعمال" الصادر عن المركز المصري للدراسات الاقتصادية يرسم صورة قاتمة، حيث يتصدر التضخم قائمة المخاطر التي تهدد بيئة الأعمال، يليه تذبذب سعر الصرف، وغياب سياسات نقدية واضحة. وبحسب التقرير، فإن المستثمرين فقدوا القدرة على التنبؤ بأسعار الدولار أو توقيتات الإفراج الجمركي، مما جعل التخطيط للاستيراد أو توقيع عقود طويلة الأجل شبه مستحيل.

ويحذر التقرير من أن هذه المخاطر لم تعد مجرد تحديات ظرفية، بل تحولت إلى أزمة هيكلية تتجذر مع الوقت، بسبب فشل السياسات الحكومية وعجز الدولة عن وضع خطة إنقاذ حقيقية.

 

 

ضرائب تعسفية وبيروقراطية قاتلة

يتحدث المستثمرون عن تقديرات ضريبية "عشوائية" ومطالبات بأثر رجعي تدفعهم للخروج من السوق الرسمية. بدلاً من أن تكون الضرائب أداة للتنمية، تحولت إلى وسيلة عقاب، في ظل غياب تام للحوار مع مجتمع الأعمال، وقرارات مفاجئة لا يُستشار فيها أحد، ما يدفع الكثير من المستثمرين الصغار والمتوسطين للتوقف أو الانكماش.

الروتين الإداري كذلك لا يزال يشكل "كابوساً يومياً"، مع تعقيد الإجراءات، وتعدد الجهات غير المتصلة إلكترونيًا، والبطء في إصدار التراخيص، في وقت يتطلب فيه الاقتصاد خطوات إصلاح عاجلة وجريئة.

 

 

الخدمات ترتفع بلا مقابل… والطاقة تضرب الصناعات

القطاع الصناعي في قلب العاصفة، بعدما شهدت أسعار الكهرباء والمياه الحكومية قفزات كبيرة، متفاوتة بين المحافظات، فضلاً عن تكاليف إضافية ناتجة عن تأخر الإفراجات الجمركية وضعف البنية اللوجستية. هذه التكاليف ضربت قدرة الصناعات على المنافسة محليًا ودوليًا، وأضعفت السياحة والنقل، لتتحول الدولة إلى عبء ثقيل على القطاعات الإنتاجية.

 

رءوس الأموال تهرب… و"المليونيرات" يغادرون

لم تعد أزمة الاستثمار في مصر محصورة في الشركات الأجنبية، بل شملت أيضاً أثرياء الداخل الذين بدأوا بمغادرة البلاد بحثًا عن ملاذات أكثر استقرارًا. تشير التقارير إلى ارتفاع معدلات خروج "المليونيرات المصريين" بسبب السياسات الاقتصادية المضطربة، وتدخل الأجهزة السيادية في الاقتصاد، وانعدام التوازن بين الحكومة والقطاع الخاص.

 

 

أزمة ثقة وهيمنة عسكرية تقضي على مستقبل الاستثمار

تتمثل الأزمة الحقيقية في غياب الرؤية الاقتصادية، وتضارب الأدوار بين الحكومة والجيش، حيث تلعب الدولة دور الحكم واللاعب في آن واحد. ومع غياب مؤسسات فاعلة أو مشاركة مجتمعية حقيقية، أصبحت كل خطوة استثمارية محفوفة بالشكوك والمخاطر، وسط اقتصاد تُديره مؤسسة عسكرية لا تملك خبرة اقتصادية، ولكنها تفرض سيطرتها عبر القوة الأمنية والسياسية.

 

الإصلاح لم يعد خيارًا بل ضرورة للبقاء

رغم أن مصر ليست الوحيدة التي تعاني من التضخم أو الضغوط النقدية، إلا أن غياب أدوات المواجهة الفعالة، وتراكم الأزمات دون تدخل إصلاحي جذري، جعلها نموذجًا للفشل الاقتصادي في المنطقة. ويطالب المستثمرون بإعادة هيكلة النظام الضريبي، وتثبيت سعر الصرف، وتحقيق شراكة حقيقية بين الحكومة والقطاع الخاص، مع تحييد الدولة – وتحديدًا الجيش – عن النشاط الاقتصادي المباشر.

في النهاية، يمكن القول إن الاقتصاد المصري لن يستعيد عافيته دون تحوّل حقيقي في طبيعة الحكم، ينهي تغوّل العسكر على مفاصل الدولة، ويُعيد الاعتبار إلى الشرعية والديمقراطية، التي أطاح بهما انقلاب 3 يوليو 2013، ودفع ثمنها الشعب المصري – ومستثمروه – حتى اليوم.