في سابقة تعكس تعثّر إدارة الملف التشريعي الأكثر جدلاً في الشارع المصري، أرجأ مجلس النواب بنظام الانقلاب ، للمرة الثالثة خلال أسبوع، التصويت النهائي على مشروع تعديل قانون الإيجارات القديمة، ليُحال إلى جلسة الأربعاء، رغم موافقة المجلس عليه من حيث المبدأ.
يأتي التأجيل استجابة لطلب النائب عبد الهادي القصبي، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب "مستقبل وطن" التابع للسيسى، في ظل استمرار غياب البيانات الرسمية الدقيقة بشأن أعداد المستأجرين الأصليين، وتركيبتهم العمرية، وتوزيعهم الجغرافي، وهو ما اعتبره مراقبون دليلاً على غياب الجاهزية الحكومية لمعالجة أزمة ممتدة منذ عقود.
رئيس المجلس، الانقلابى حنفي جبالي، حمّل الحكومة مسؤولية التأجيل، مشيراً إلى أن "غياب البيانات والإحصاءات الجوهرية من الجهات المختصة، وعلى رأسها جهاز التعبئة العامة والإحصاء، يحول دون التصويت النهائي"، مؤكدًا أن البرلمان لن يمرر قانوناً بهذا الحجم دون معلومات دقيقة وشفافة.
أزمة ثقة في بيانات الحكومة
الجلسة البرلمانية شهدت انتقادات حادة لرئيس جهاز التعبئة والإحصاء، اللواء خيرت بركات، بسبب تضارب تصريحاته. ففي الوقت الذي زعم فيه الجهاز توافر بيانات المستأجرين منذ عام 2017، نفى عدد من النواب، من بينهم النائب فريدي البياضي، هذه المزاعم، مشيرين إلى أن "البيانات غير دقيقة، وجرى تصنيعها بشكل مستعجل استجابة لضغط البرلمان، ما يضع مصداقيتها محل شك".
البياضي وصف تصريحات بركات بـ"المتناقضة"، وأضاف: "إما أن الجهاز كان يخفي المعلومات، أو أن ما قدمه الآن هو بيانات مفبركة، وفي الحالتين لا يمكن الاعتماد عليها لإقرار قانون يمس ملايين الأسر".
غياب ضمانات للسكن البديل
أحد أبرز الاعتراضات النيابية تمثل في غياب خطة واضحة لتوفير مساكن بديلة بعد انتهاء الفترات الانتقالية التي حددها مشروع القانون لتحرير العلاقة الإيجارية. النائب ضياء الدين داوود أشار إلى أن محافظات مثل الدقهلية تضم أكثر من 110 آلاف أسرة خاضعة لقانون الإيجارات القديمة، ولا توجد آليات معلنة لإسكانهم بعد الإخلاء، ما ينذر بأزمة اجتماعية قادمة.
في المقابل، حاولت وزيرة التنمية المحلية، منال عوض، طمأنة النواب بالإشارة إلى أراضٍ مستردة من واضعي اليد وأخرى تحت ولاية الأوقاف والإصلاح الزراعي يمكن استغلالها، لكن حديثها قوبل باعتراضات حادة بسبب غياب التفاصيل والخطط التنفيذية.
البنود المثيرة للجدل: التحرير و"حكامة" المالك
مشروع القانون نصّ على تحرير عقود الإيجارات السكنية بعد فترة انتقالية مدتها 7 سنوات، وسط مطالب من نواب بمدّها إلى 10 سنوات تخفيفاً للأثر الاجتماعي، فيما اقترح آخرون أن يتم تحرير العقود غير السكنية بعد 7 سنوات أيضاً بدلاً من 5، مع الإبقاء على الزيادة السنوية في القيمة الإيجارية بنسبة 15%.
أما الزيادة المقترحة على القيمة الإيجارية فتراوحت ما بين 20 مثل القيمة الحالية للوحدات السكنية في المناطق المتميزة، بحد أدنى 1000 جنيه، و10 أمثال للمناطق المتوسطة والاقتصادية، ما اعتبره نواب تهديداً مباشراً للفئات غير القادرة في ظل موجات الغلاء والتضخم.
كما فتح الجدل حول مفهوم "المالك الأصلي" الباب أمام جدال قانوني، خاصة أن عددًا من المواد اعتمد على معيار السن (ما فوق 60 عاماً في 2017) لتحديد الجيل الأول من المستأجرين، وهو معيار وصفه نواب بأنه "تعسفي" ويخلو من الأساس القانوني أو الدستوري.
في انتظار الحسم وسط غموض يهيمن
بحسب مصادر برلمانية، فإن التوجه الآن يسير نحو تمديد الفترات الانتقالية، مع إعادة دراسة البنود المتعلقة بتحديد المستأجر الأصلي، وضمانات السكن البديل، ما يعني أن مشروع القانون لا يزال بعيدًا عن الوصول إلى محطته الأخيرة، رغم الضغوط التي تمارسها الحكومة وبعض الكتل السياسية لتحرير العلاقة الإيجارية في أسرع وقت.
تأجيل التصويت للمرة الثالثة ليس مجرد تأخير إجرائي، بل يعكس أزمة أعمق تتعلق بتخبط الحكومة، وضعف قاعدة البيانات، وغياب الرؤية الاجتماعية، في وقت يطالب فيه الملايين من ملاك الوحدات المؤجرة بحسم الملف، بينما يخشى المستأجرون من التشرد دون بديل حقيقي.