فى ظل الانهيار الاقتصادى وتراجع مستوى المعيشة وعدم قدرة أغلب الأسر المصرية على الحصول على احتياجاتها اليومية الضرورية فى زمن الانقلاب أصبح التقزم شبحا يهدد أطفال مصر وينذر بالقضاء على إمكانات الأجيال الجديدة .
الأرقام الرسمية وغير الرسمية ترسم صورة مقلقة وتشير إلى أن نسبة كبيرة من الأطفال دون سن الخامسة يعانون من التقزم، وإنهم أطفال تكبر أجسادهم ببطء، وتتأثر عقولهم، ويتقلص حجم طموحاتهم..
ويعد سوء التغذية أول أسباب تلك المعاناة التى تواجه الأسر الفقيرة خاصة فى القرى حيث انتشار الفقر وسوء البيئة المحيطة بنمو الطفل بالإضافة إلى الفقر الغذائى ونقص البروتينات الحيوانية والفيتامينات والمعادن (خاصة الحديد والزنك) .
اللحمة والفراخ غالية
«أم محمد»، سيدة فى أواخر الثلاثينيات، تعيش فى منزل صغير مع أبنائها الأربعة، بقرية «البراغيت» بمركز أبوتشت محافظة قنا قالت ان طفلها الأصغر، يوسف، يبلغ من العمر ثلاث سنوات، لكن قامته أقصر بكثير من أقرانه .
وكشفت أم محمد عن معاناة نجلها مع «التقزم» وقالت: الدكتور قال لى إن ابنى عنده تأخر فى النمو.
وأضافت : بنحاول ناكل كويس، بس اللحمة والفراخ غالية، وبنعتمد على العيش والجبنة والبطاطس أكتر حاجة، ومش كل يوم بنلاقى أكل متنوع .
وتابعت أم محمد: المية عندنا مش دايماً نضيفة، وكتير العيال بيجيلهم إسهال أو برد، ولما بيتعبوا، بيخسوا أكتر
هرمون النمو
فى هذا السياق قالت الدكتورة نهلة عبدالوهاب، أستاذ البكتيريا والمناعة والتغذية بجامعة القاهرة : التقزم لا يقتصر على سبب واحد، بل يمكن أن ينشأ نتيجة لعدة عوامل، أبرزها العوامل الوراثية، حيث ينتقل الاستعداد للتقزم من الآباء إلى الأبناء، بالإضافة إلى سوء التغذية الذى أصبح أكثر شيوعاً فى ظل العادات الغذائية الحديثة، مشيرة إلى أن الكثير من الصغار يتجهون للوجبات السريعة الجاهزة، ويهملون تناول الخضراوات الكافية والعناصر الغذائية الأساسية.
وأضافت « نهلة عبدالوهاب» فى تصريحات صحفية : جوهر المشكلة يكمن فى نقص هرمون النمو، والذى يعتمد إفرازه بشكل كبير على ساعات النوم الصحى، مؤكدة أن التقزم قابل للعلاج بسهولة عند اكتشافه مبكراً،
وشددت على أهمية تطبيق نهج شامل يرتكز على المتابعة الطبية المنتظمة، لأن الكشف المبكر للحالات يتيح التدخل العلاجى الفعال مطالبة بضرورة تناول الخضراوات، واللحوم والأسماك، مع تنويع الوجبات لضمان حصول الطفل على العناصر الغذائية اللازمة لنموه .
وأشارت «نهلة عبدالوهاب» إلى ضرورة فحص الوالدين لأنه فى بعض الحالات، قد يكون لدى الأب أو الأم استعداد وراثى للتقزم. وبالتالى خضوعهما للفحص والعلاج يقلل فرص انتقال هذه المشكلة إلى الأجيال القادمة، مشددة عنى ضرورة ممارسة النشاط الرياضى بانتظام لدعم الصحة العامة والنمو البدنى.
واعتبرت أن تضافر جهود الأسرة مع المتابعة الطبية، والحرص على نمط حياة صحى، يمثل حجر الزاوية فى التعامل مع مشكلة التقزم وضمان نمو سليم لأطفالنا مؤكدة أن المتابعة الطبية المبكرة هى العامل الحاسم فى تحديد ما إذا كانت الحالة تحتاج إلى علاج هرمونى أم لا ؟
ونصحت «نهلة عبدالوهاب» الآباء والأمهات بالانتباه للمؤشرات المبكرة للتقزم، مثل ملاحظة أن الطفل أقصر من زملائه فى الفصل أو فى مرحلة عمرية مبكرة مطالبة بضرورة التوجه مباشرة إلى طبيب الأطفال فى هذه الحالات لتقييم الحالة واتخاذ الإجراءات اللازمة.
سوء التغذية
وكشف الدكتور السيد حماد، أستاذ التغذية وعلوم الأغذية بالمعهد القومى للتغذية، أن التقزم وقصر القامة المنتشر فى مصر يعد مشكلة صحية خطيرة مرتبطة بشكل أساسى بسوء التغذية المزمن، وليست عوامل وراثية فى غالبية الحالات، مشيراً إلى أن هذه المشكلة تؤثر على عدد كبير من الأطفال، وتعرف بأنها «طول الطفل أقل من المعدل الطبيعى بالنسبة لعمره، مما يمنعه من الوصول إلى الطول المتوقع لأقرانه».
وأضاف «حماد» فى تصريحات صحفية : السبب الرئيسى لقصر القامة هو نقص العناصر الغذائية الأساسية، وعلى رأسها، البروتين الجيد، فيتامين أ، الكالسيوم وفيتامين د، الزنك، الدهون الصحية (مثل أوميجا 3).
وأوضح أن تأثير التقزم لا يقتصر على الطول فقط، بل يمتد ليشمل جوانب أخرى من حياة الطفل، مثل، التنمر وعدم الثقة بالنفس، وتراجع الأداء الذهنى والرياضى، وضعف المناعة الذى يجعل الأطفال أكثر عرضة للإصابة بالأمراض والعدوى.
وأوصى بممارسة الرياضات التى تساعد على الاستطالة، مثل السباحة، كرة الطائرة، والعقلاء، التى تساعد على استطالة الجسم وتجنب الرياضات التى تضغط على العمود الفقرى أو النمو بشكل سلبى.
محافظات الصعيد
وشدد «حماد» على أهمية التدخل المبكر، مشيراً إلى أنه كلما بدأنا مبكراً مع الطفل، على الأقل عند ثلاث أو أربع سنوات بمجرد اكتشاف أن طوله أقل من الطبيعى، كلما تمكنا من مساعدته على الوصول إلى النمو الطبيعى واللحاق بالقدر المطلوب بالنسبة لعمره .
وأكد أن نسبة قصر القامة وصلت إلى أكثر من 27% من الأطفال تحت سن الخامسة وهى نسبة عالية موضحا أنه رغم أن السبب الرئيسى للتقزم يظل نقص العناصر الغذائية، إلا أن للعوامل البيئية دوراً، خاصة أن الملوثات الناتجة عن أساليب الزراعة غير المطابقة للمواصفات، والاعتماد على الأسمدة والمخصبات الكيماوية، يمكن أن تؤثر سلباً على صحة الأطفال ونموهم.
واشار «حماد» إلى أن محافظات الصعيد تعانى من معدلات انتشار أعلى للتقزم، وتعد محافظة سوهاج من بين المحافظات الأكثر تضرراً، مطالبا الأمهات بمتابعة طول ووزن الطفل بشكل دورى فى المراكز الصحية خلال مواعيد التطعيمات .