الأبعاد المخفية للصراع على أصول مصر بين أبوظبي وتل أبيب
في مقابلة مثيرة للجدل مع قناة CNN الاقتصادية، فجّر الملياردير الإماراتي خلف الحبتور قنبلة سياسية عندما كشف عن نصيحته لعبد الفتاح السيسي "بعدم التوسع في الاقتراض الخارجي"، مشدداً على ضرورة بيع أراضي الدولة لمواجهة الأزمة المالية. تصريحات الحبتور، التي وصفت في القاهرة بأنها "وصاية إماراتية وقحة"، تكشف، وفق خبراء اقتصاديين وسياسيين، عن وجه آخر لأجندة أبوظبي في مصر، ربما يتجاوز الاستثمار التقليدي إلى إعادة هندسة ملكية الأصول لصالح تحالف إقليمي تلعب فيه الإمارات دور الوسيط لصالح تل أبيب.
بين وصاية الكفيل واستراتيجية التفكيك
منذ انقلاب 3 يوليو 2013، لعبت أبوظبي دور الداعم المالي والسياسي الأبرز للنظام المصري. لكن نصيحة الحبتور التي قال فيها:
“متى ما تأخذ القروض من البنوك يستعبدوك… نصحت السيسي أن يبيع الأراضي والمشروعات بدل الاقتراض”
تفتح الباب لتساؤلات مقلقة: هل هي دعوة لإدارة رشيدة للأزمة، أم ضغط إماراتي لإخضاع القاهرة لشروط استحواذ قد تدشن أكبر عملية “بيع مقنع” لمقدرات البلاد؟
وفق مراقبين، أبوظبي ترى أن تفاقم الديون الخارجية لمصر — التي بلغت 156.6 مليار دولار بنهاية مارس 2025 — سيجعل القاهرة أكثر احتياجاً لمساعداتها. لكن يبدو أن رغبة الإمارات الحقيقية تكمن في شراء الأصول الاستراتيجية بأسعار متدنية، خاصة بعد انهيار قيمة الجنيه وركود السوق العقاري.
الخبير الاقتصادي د. عمرو عدلي علّق عبر حسابه على X قائلاً:
“نصيحة الحبتور ليست بريئة… الإمارات تريد حصة الأسد من الأصول العامة عبر صندوقها السيادي، وتمنع دخول منافسين دوليين بإبقاء مصر بلا سيولة.”
إسرائيل على الخط؟ احتكار استراتيجي عبر أبوظبي
ما يثير الشكوك أكثر هو تزامن تصريحات الحبتور مع تسريبات عن مفاوضات غير معلنة بين صناديق إماراتية وصناديق إسرائيلية للاستثمار المشترك في أصول مصرية، أبرزها شركات الموانئ، والخدمات اللوجستية، وحتى حصص في قناة السويس.
موقع “ميدل إيست آي” البريطاني كان قد كشف قبل أشهر عن تحركات أبوظبي لنقل ملكية أجزاء من ميناء شرق بورسعيد لصالح تحالف يضم شركاء إماراتيين وإسرائيليين تحت غطاء “التطوير والاستثمار المشترك”.
هنا يقول الباحث السياسي حسن نافعة:
“منذ سنوات والإمارات تلعب دور الوسيط لتمكين إسرائيل اقتصادياً في المنطقة. نصيحة الحبتور تبدو كجزء من هذا المخطط؛ لا قروض تعني انهيار احتياطي النقد الأجنبي، فيصبح البيع الخيار الوحيد.”
القاهرة الرسمية: ارتباك ونفي متأخر
رد حكومة الانقلاب على تصريحات الحبتور جاء مرتبكاً. بيان مجلس الوزراء نفى الواقعة برمتها قائلاً:
“الواقعة مختلقة… ولم نتلق أي طلب رسمي من الحبتور لشراء أراضي بالساحل الشمالي.”
لكن مراقبين رأوا في هذا النفي محاولة لاحتواء الغضب الشعبي، خاصة أن القضية تمس مساحات واسعة من الأراضي العامة التي يقال إن الإمارات تسعى لضمها إلى محفظتها الاستثمارية.
في المقابل، رد الحبتور ببيان بدا أكثر دبلوماسية، معبراً عن "تقديره لمصر ومؤسساتها"، لكنه لم ينفِ مضمون تصريحاته الأساسية، ما يعزز فرضية وجود خلاف حقيقي حول الصفقات التي يديرها "الكفيل الخليجي" مع النظام المصري.
هل تريد الإمارات مصر بلا ديون أم بلا أصول؟
تحليل الأرقام يكشف أن الديون الخارجية لمصر زادت 4 أضعاف خلال حكم السيسي، ومع ذلك، فإن نصيحة الحبتور بعدم الاقتراض، إذا طُبقت، ستجبر الحكومة على البيع السريع لأصول الدولة لتوفير النقد الأجنبي، ما يصب في مصلحة صناديق الثروة الخليجية المتعطشة لشراء الأصول بأسعار الانهيار.
يقول الباحث الاقتصادي مصطفى يوسف:
“هذا ليس استثماراً عادياً… بل إعادة هيكلة ملكية مصر لصالح شبكة مصالح إماراتية ـ إسرائيلية. النصيحة تبدو إنسانية على السطح لكنها في العمق تكتيك احتكار.”
الخلاصة: بين الهيمنة والابتلاع
تصريحات الحبتور ليست مجرد رأي اقتصادي؛ إنها مؤشر على أن القرار الاقتصادي المصري أصبح رهينة لإرادة خارجية، وأن الخلاف العلني حول “أرض الساحل” قد يكون رأس جبل الجليد لصراع أكبر على ثروات مصر.
فهل ما نشهده الآن هو مجرد ضغوط إماراتية على نظام مأزوم مالياً؟ أم أن وراء الكواليس ترتيبات أشمل لبيع مصر بالجملة لصالح محور أبوظبي ـ تل أبيب؟