بسبب فقدان الثقة فى حكومة الانقلاب…المصريون يتجاهلون انتخابات مجلس شيوخ السيسي

- ‎فيتقارير

 

 

 

رغم اقتراب موعد انتخابات مجلس شيوخ السيسي حيث من المقرر أن تجرى عمليات التصويت للمصريين بالخارج يومي 1 و2 أغسطس، ويجرى الاقتراع فى الداخل يومي 4 و5 أغسطس المقبل إلا أن هذه الانتخابات لا تحظى بأى اهتمام من جانب المصريين الذين أنهكتهم الأوضاع الاقتصادية المأساوية والذين يبذلون كل جهدهم من أجل الحصول على لقمة العيش فى زمن الانقلاب الدموى الذى نجح بامتياز فى تجويع المواطنين .

كما أن المصريين يدركون أن الانتخابات شكلية وأن أسماء أعضاء مجلس شيوخ السيسي تم تحديدها مسبقا حتى قبل ادلاء الناخبين بأصواتهم فى صناديق الاقتراع .

حتى على مستوى الأحزاب أو الشخصيات التى ترشحت فى الانتخابات  لا تنظم حملات دعائية أو مناظرات في وسائل الإعلام أو على منصات التواصل الاجتماعي، ما يعكس محدودية التفاعل العام مع الاستحقاق، وابتعاده عن دائرة الاهتمام الشعبي. 

يشار إلى أن انتخابات مجلس شيوخ السيسي تأتى في سياق سياسي واقتصادي مأزوم، حيث يواجه المصريون ضغوطًا معيشية متفاقمة، وسط جدل واسع حول عدد من القضايا الاقتصادية والاجتماعية، كان أبرزها مؤخرًا تمرير قانون الإيجار القديم، الذي أثار اعتراضات وانتقادات شعبية لم تقم حكومة الانقلاب وزنا لها. 

وفي ظل هذا المشهد تُعقد انتخابات مجلس شيوخ السيسي بمعزل عن الرأي العام، وسط نظام انتخابي يُقيد التعددية ويُضعف فرص التمثيل الحقيقي، وهو ما يكرّس مزيدًا من الفجوة بين المؤسسات المنتخبة والمواطنين، الذين باتوا يرون أن أولوياتهم المعيشية لا تجد انعكاسًا حقيقيًا في أجندة العمل السياسي. 

 

فقدان الثقة

 

من جانبه أكد الدكتور مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن ضعف الاهتمام بانتخابات مجلس شيوخ السيسي يعكس أزمة أعمق تتعلق بفقدان الثقة الشعبية في برلمان العسكر بغرفتيه. مشيرا إلى أن ذلك يُرجع إلى أن أداء كل من مجلسي العسكر للنواب والشيوخ خلال السنوات الماضية جاء دون مستوى توقعات المواطنين، إذ لم يُمارس أيٌّ منهما دورًا فعليًا في مساءلة حكومة الانقلاب أو التفاعل الجاد مع القضايا التي تمس الحياة اليومية للناس. 

وكشف السيد في تصريحات صحفية أن أبرز القضايا التي استحوذت على اهتمام الرأي العام كانت تُناقش أساسًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، دون أن تجد صدى يُذكر داخل أروقة برلمان العسكر، بل تم تجاهلها في كثير من الأحيان، ما ساهم في تعميق فجوة الثقة بين المواطنين والمؤسسة التشريعية. 

وقال إن أحد أوجه الأزمة يتمثل في غياب الشفافية وانقطاع التواصل بين برلمان العسكر والجمهور. فبينما كانت جلسات مجلس نواب السيسي تُنقل سابقًا على الهواء مباشرة، توقفت هذه التغطية، وأصبح الوصول إلى محاضر الجلسات أكثر صعوبة. مؤكدا أن المجلسين لا يؤديان دورهما الرقابي والسياسي بفاعلية، ولا يبذلان جهدًا لتعريف المواطنين بما يجري داخل الجلسات، وهو ما يُفاقم شعور العزلة والانصراف العام . 

وأشار السيد إلى أن النظام الانتخابي الحالي يمنح أفضلية واضحة للأحزاب الموالية لحكومة الانقلاب، ما يُضعف الطبيعة التنافسية للعملية الانتخابية، ويُقلّل من حوافز المشاركة، خاصة في ظل غياب بدائل سياسية حقيقية أو ضمانات لتعددية فاعلة. 

وبشأن انتخابات مجلس نواب السيسي المقبلة، توقع أن يتكرر المشهد بدرجة كبيرة، مع بعض الفروقات الشكلية، قائلاً: ربما نشهد نشاطًا ميدانيًا أوسع، مثل الجولات الدعائية لمرشحي الأحزاب الموالية، وربما حضورًا إعلاميًا أكبر، لكن ذلك لا يعني بالضرورة ارتفاعًا في نسب المشاركة، لأن العوامل التي أدت إلى عزوف المواطنين ما تزال قائمة . 

واعتبر السيد أن أحد العوامل التي قد تؤثر على شكل المنافسة هو توزيع القوائم الانتخابية بين حزب مستقبل وطن وتحالف الجبهة الوطنية، باعتبارهما الكتلتين الأبرز تمثيلًا لسلطات الانقلاب، مشيرًا إلى أن تفاصيل تقسيم المقاعد بين الطرفين لم تُحسم بعد، وهو ما يثير تساؤلات داخل الأوساط السياسية. 

 

 

مخيب للآمال

 

وقال حمدي قشطة، القيادي في حزب الدستور ان الغياب الشعبي يعكس حالة من الركود السياسي العام، إضافة إلى انطباع سلبي متراكم لدى المواطنين تجاه أداء غرفتي برلمان العسكر في الدورة السابقة، والذي كان”مخيبا للآمال” نتيجة تراجع واضح في الدورين التشريعي والرقابي، وهو ما ساهم، في تعميق انصراف الجمهور عن متابعة الشأن العام. 

وأكد قشطة في تصريحات صحفية أن طبيعة تشكيل مجلس الشيوخ تسهم في هذا الانفصال، موضحًا أن ثلث الأعضاء يُنتخبون عبر القوائم المغلقة، والثلث الثاني بالنظام الفردي، بينما يُعيَّن الثلث الأخير من قبل قائد الانقلاب ما يجعل المجلس بعيدًا عن تمثيل الإرادة الشعبية. 

وأشار إلى أن نظام القوائم المغلقة يُقصي التنوع ويحول دون بروز أصوات متعددة داخل المجلس، مستشهدًا بقائمتي جنوب مصر والقاهرة، اللتين تضمان كل منهما 37 مرشحًا يُختارون دفعة واحدة، رغم المساحات الجغرافية الشاسعة التي تمثلها هذه القوائم. 

وانتقد قشطة غياب الدور الفعّال لمجلس شيوخ السيسي في الحياة السياسية والتشريعية، معتبرًا أن وجوده أقرب إلى “مجاملة لدوائر سياسية محددة”، وأن الفجوة بين السلطة والمجتمع لم تعد تقتصر على الانفصال، بل اتخذت شكلًا عكسيًا، إذ صدرت خلال السنوات الأخيرة قوانين وقرارات تتناقض بوضوح مع مصالح المواطنين واحتياجاتهم. 

وأوضح أن مجلس شيوخ السيسي يضطلع بدور استشاري محدود الأثر ولذلك لا يهتم به المواطنون. معربا عن اعتقاده أن انتخابات مجلس نواب السيسي المقررة في نوفمبر المقبل قد تحمل قدرًا من الانفراج، نظرًا لما يتمتع به المجلس من صلاحيات تشريعية مباشرة تمس حياة المواطنين .

 

عزلة سياسية

 

وقال وليد العماري، المتحدث باسم الحركة المدنية الديمقراطية، إن تراجع اهتمام المواطنين بانتخابات مجلس شيوخ السيسي يرجع إلى ”الغموض المرتبط بدور المجلس”، مؤكدا أن المواطن العادي لا يشعر بوجود المجلس، ولا يرى له دورًا فعّالًا يمس مطالبه، أو يعبر عن أولوياته اليومية.

وأكد العماري فى تصريحات صحفية أن غياب البث العلني لجلسات مجلسي شيوخ ونواب السيسي ساهم في اتساع الفجوة بين المواطنين وما يجري داخل المؤسسات التشريعية الانقلابية، موضحًا أنه كان بإمكان النقل المباشر للجلسات أن يمنح المواطن شعورًا بالرقابة والمساءلة، لكن الحظر المفروض حاليًا يعزز حالة العزلة السياسية . 

وانتقد نظام القائمة المطلقة المطبّق في الانتخابات البرلمانية فى زمن الانقلاب، معتبرًا أنه يُقصي طيفًا واسعًا من القوى السياسية، ويؤدي إلى ضعف التعددية داخل المجالس المنتخبة، بجانب غياب التوازن الرقابي، وانحياز التشريعات لصالح حكومة الانقلاب.

وأشار العمارى إلى أن العزوف الشعبي عن التصويت يرجع إلى الاختلالات العميقة في بنية النظام الانتخابي، الذي لا يفتح المجال أمام المشاركة الواسعة أو التمثيل العادل . 

 

انفصال حقيقي

 

واعترفت مها عبد الناصر، نائبة رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، بوجود حالة واضحة من العزوف وعدم الاهتمام الشعبي بانتخابات مجلس شيوخ السيسي المقبلة، مشيرة إلى أن هذا الانصراف لا يعود فقط إلى ضعف الحراك السياسي، بل يعكس أزمة أعمق في العلاقة بين حكومة الانقلاب والمجتمع. 

وقالت مها عبد الناصر فى تصريحات صحفية إن الحزب، رغم تحفظاته، قرر المشاركة في انتخابات برلمان السيسي عبر نظام القوائم المطلقة، موضحة أن هذا القرار جاء بعد نقاش داخلي خلص إلى عدم وجود بدائل حقيقية للمشاركة السياسية في ظل المعطيات الحالية.

وأضافت : نحن نشارك، لكننا نعلم أن المجال السياسي في مصر أصبح شبه مغلق. مؤكدة أن دولة العسكر عملت على تقليص المساحة السياسية إلى حد كبير، وهو ما أثر بشكل كبير على المجتمع ككل .  

وأشارت مها عبد الناصر إلى أن الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، إلى جانب التحديات الإقليمية، أسهمت في تفاقم الشعور العام بالإحباط والعزوف عن الاهتمام بالشأن السياسي، مؤكدة أن هناك شبه انفصال حقيقي بين السياسة والسياسيين من جهة، والمواطنين من جهة أخرى .