في مشهد يلخص ميراث الخراب الذي سيتركه المنقلب السفيه عبدالفتاح السيسي ونظامه، كشف صندوق النقد الدولي عن تفاصيل خطة سداد ديون مصر حتى 2047، أي بعد أكثر من عقدين من الآن، وكأن الأجيال القادمة قد حُكم عليها مسبقًا بحمل أثقال لم تختَرها، وتسديد فاتورة فساد واستدانة جنونية لم تجلب سوى الفقر والانهيار.
في تقريره الأخير بعنوان "المراجعة الرابعة والمشاورات بموجب المادة الرابعة مع مصر"، قال الصندوق إن مصر ستواصل دفع أقساط ديونها حتى نهاية العام المالي 2046-2047، دون أي إعادة جدولة أو هيكلة، طالما بقيت على نفس "طريق الإصلاحات" الذي يصفه مراقبون بأنه طريق الإفقار الشامل والتبعية الاقتصادية المطلقة.
وفقًا للأرقام الرسمية، ستبلغ ذروة السداد في العام المالي 2024-2025، حين يتوجب على المصريين دفع 6.6 مليارات دولار في عام واحد، تليها دفعات متناقصة تدريجيًا حتى تصل إلى 92 مليون دولار فقط بحلول 2047. لكن هل هذه أرقام مطمئنة كما يروج النظام، أم قنابل موقوتة قد تنفجر في أي لحظة؟
ديون السيسي.. أكبر من كل عصور مصر الحديثة
بينما يحاول الإعلام الموالي للنظام تصوير هذه الأرقام كإنجاز، يتجاهل حقيقة أن مصر اقترضت من صندوق النقد وحده أكثر من 24 مليار دولار منذ تعويم الجنيه في 2016، أي أكثر بثلاثة أضعاف ما اقترضته طوال نصف قرن منذ 1945 وحتى 2015. في المقابل، لم تلمس الغالبية الساحقة من المصريين أي تحسن في أوضاعهم؛ بل غرقوا في موجات متتالية من التضخم والغلاء ورفع الدعم وخصخصة ما تبقى من أصول الدولة.
من المسؤول؟ وهل سيدفع الثمن؟
الأجيال المقبلة، التي لم تُستشر يومًا في هذه القروض، ستضطر لدفع ثمنها من الضرائب، ومن خفض الإنفاق على التعليم والصحة والخدمات الأساسية، بينما يواصل السيسي وحاشيته بناء القصور، وإهدار المليارات على مشروعات بلا جدوى تخدم النخب العسكرية فقط.
هل يُعقل أن يفلت هذا النظام من الحساب؟ أين العدالة في أن يغادر السيسي السلطة، أو يرحل عن الدنيا، تاركًا خلفه شعبًا مثقلاً بالديون وعجزًا عن التنمية لعقود قادمة؟
مخاطر تهدد المستقبل
حتى صندوق النقد نفسه حذر من أن خطة السداد تواجه "مخاطر خارجية متزايدة"، مثل تراجع إيرادات قناة السويس وارتفاع تكاليف التمويل الخارجي. لكن الأخطر هو الاعتماد الكلي على الديون لسد عجز الميزانية، في ظل انكماش الاستثمار الإنتاجي، وغياب أي خطة حقيقية لإصلاح هيكل الاقتصاد بعيدًا عن بيع الأصول والاقتراض.
من التعويم إلى التبعية
منذ التعويم الكارثي للجنيه في 2016، دخلت مصر نفقًا مظلمًا من التبعية لصندوق النقد والدائنين الدوليين. تحولت الدولة إلى مستودع للديون، وتحول المواطن إلى ضحية لسياسات تقشفية قاسية، فيما استمر السيسي في استرضاء الدائنين على حساب الشعب، حتى أصبحت مصر واحدة من أكثر دول العالم عرضة لأزمات الديون السيادية.
السؤال الذي لا مفر منه
إذا كانت أرقام الصندوق صحيحة، فمتى يستفيق المصريون؟ ومتى يتم فتح ملفات محاسبة السيسي وأركان حكمه على هذه الكارثة التاريخية؟ أم أن الأجيال القادمة ستظل تسدد ديونًا لم تجلب سوى الفقر والقهر، فيما ينعم الفاسدون في قصورهم المحصنة؟