تتواصل عمليات الإخلاء القسري في شمال سيناء تحت ذريعة "تطوير ميناء العريش"، في مشهد يعيد للأذهان سيناريو تهجير أهالي رفح وتدمير آلاف المنازل والأنفاق الحدودية منذ 2013، حيث يرى مراقبون أن ما يجري يمثل حلقة جديدة من مخطط "إفراغ سيناء" لصالح الأمن الإسرائيلي وإحكام السيطرة العسكرية على المنطقة.
إخلاء العريش رغم الغضب الشعبي
في الأيام الأخيرة، استأنفت سلطات الانقلاب في مصر إزالة منازل بحي الريسة بمدينة العريش، حيث أُزيلت 7 منازل من أصل 180 مستهدفة في المرحلة الحالية من المخطط، بعد توقف دام عامين إثر احتجاجات واسعة. التوقف المؤقت جاء بعد تكليف عبد الفتاح السيسي لوزير النقل كامل الوزير بالتفاوض مع الأهالي، حيث وعد بعدم تنفيذ أي إزالة دون "اتفاق يرضي السكان".
لكن الواقع على الأرض، وفق شهادات الأهالي، يكشف عن عودة الجرافات تحت حماية أمنية مشددة، ومحاولات لإجبار السكان على توقيع إقرارات إخلاء مقابل تعويضات مالية، يصفها كثيرون بأنها "غير عادلة"، فيما يرفض معظم الأهالي ترك منازلهم ويتمسكون بالبقاء "حتى الموت"، مرددين هتافات مثل: "الأرض دي مصرية مش إماراتية" و"لا للتهجير".
من رفح إلى العريش.. استراتيجية تهجير مستمرة
ما يجري في العريش ليس معزولًا عن سياق أوسع بدأ بتهجير قسري غير مسبوق في رفح المصرية منذ 2014، حيث دمرت السلطات أكثر من 3 آلاف منزل وشردت آلاف الأسر بحجة "إنشاء منطقة عازلة" مع قطاع غزة. تزامن ذلك مع تفجير مئات الأنفاق التي كانت شريان حياة لغزة المحاصرة، ثم إقامة سور فولاذي وخرسانة عميقة على طول الحدود، وهي إجراءات روج النظام لها باعتبارها "ضرورية للأمن القومي"، بينما اعتبرها محللون استجابة مباشرة لمطالب أمنية إسرائيلية.
لماذا سيناء؟ ولماذا الآن؟
قرارات السيسي بنقل تبعية ميناء العريش للقوات المسلحة، وتخصيص مئات الأفدنة المحيطة به "لأعمال المنفعة العامة"، تكشف عن مسار واضح لتحويل مناطق سكنية كاملة إلى مناطق عسكرية أو اقتصادية مغلقة. التوسع المخطط للميناء ليصبح "دوليًا محوريًا" بطول رصيف يصل إلى 1.5 كيلومتر ومنطقة اقتصادية متاخمة، يثير مخاوف من أن يتحول المشروع إلى امتداد لمشاريع استراتيجية مرتبطة بتفاهمات إقليمية تشمل إسرائيل والإمارات، في ضوء التقارب الأمني بين القاهرة وتل أبيب.
الأمن الإسرائيلي.. المستفيد الصامت؟
المفارقة أن إجراءات "تأمين سيناء" منذ انقلاب 2013 جاءت متوافقة مع أولويات إسرائيل، بدءًا من القضاء على الأنفاق التي كانت تقلق المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، مرورًا بتفريغ الشريط الحدودي في رفح من السكان، وصولًا إلى تشديد السيطرة على الموانئ والمطارات في المنطقة (بما في ذلك مطار العريش الذي أصبح تحت إدارة عسكرية كاملة).
وبينما تُسوّق الحكومة المشروع باعتباره "تطويرًا اقتصاديًا"، يرى معارضون أن المخطط يعمّق سياسة تهجير السكان الأصليين، ويفتح المجال أمام تغيير ديموغرافي في منطقة حساسة استراتيجيًا.
أهالي العريش: بين الوعود والواقع
تعهدات الوزيرالانقلابى كامل الوزير خلال لقاءاته مع الأهالي بأن "لن يُترك أي مواطن منزله إلا برضاه الكامل"، سرعان ما تلاشت على وقع الهدم القسري. الأهالي الذين خرجوا في احتجاجات نادرة في شمال سيناء، أكدوا أنهم "لن يتركوا بيوتهم حتى لو دفعوا حياتهم ثمنًا"، متهمين الحكومة بالتراجع عن وعودها ومحاولة إرهاب السكان عبر الانتشار الأمني الواسع.
عمليات عسكرية وأمنية غير مسبوقة
منذ عقد، تتعرض سيناء لعمليات عسكرية وأمنية غير مسبوقة، خلّفت آلاف الضحايا والمهجرين، واليوم تأتي موجة جديدة من التهجير تحت لافتة "التنمية". لكنّ المحصلة، وفق معارضين، هي إحكام القبضة العسكرية على كامل الشريط الحدودي، وضمان أمن إسرائيل على حساب سكان سيناء وحقهم في الأرض والحياة.