هل بدأ نفوذ أمريكا وإسرائيل يتراجع في دعم السيسي عبر الصناديق الدولية؟ 

- ‎فيتقارير

 

أثار التقرير الأخير لصندوق النقد الدولي بعنوان “نموذج الاقتصاد المصري بحاجة إلى مراجعة جذرية” عاصفة في الأسواق، بعدما حمل لهجة غير مسبوقة في العنف تجاه نظام المنقلب السيسي، الذي طالما حظي بدعم سياسي واقتصادي أمريكي-إسرائيلي عبر بوابة الصناديق الدولية. فهل بدأ حلفاء السيسي في واشنطن وتل أبيب يسحبون الغطاء عنه، بعدما أصبح عبئًا استراتيجيًا؟

 

التقرير يكشف انهيار الاقتصاد المصري تحت عبء الديون التي وصلت إلى 162.7 مليار دولار في يونيو الماضي، متجهة إلى 202 مليار دولار بحلول 2030. الصندوق حذّر بوضوح من العجز الكامل للاقتصاد عن مواجهة التضخم وشح الدولار، مع تصدّر مصر لقوائم فساد الحوكمة، غياب العدالة، وتدهور الشفافية. هذه العبارات التي لم يكن الصندوق ليتجرأ على استخدامها سابقًا، تثير تساؤلاً: هل تغيّرت حسابات أمريكا وإسرائيل بشأن بقاء السيسي؟

 

الخبير المالي وائل النحاس يرى أن التقرير يمثّل إنذارًا شديد اللهجة، إذ أجبر النظام على تنفيذ أوامر صعبة: رفع الدعم عن الوقود والكهرباء، زيادة الضرائب على العقارات والسلع الأساسية كالشاي والسكر، وتصفية شركات الدولة مهما كانت قيمتها، مع حظر أي قروض جديدة لسداد القديمة. هذه الإجراءات ستدفع بموجة غلاء كاسحة تبدأ مع موسم المدارس في سبتمبر، وستحول حياة المصريين إلى جحيم اقتصادي.

 

لكن الأخطر، وفق محللين، هو ما بين سطور تقرير الصندوق: تلويح بوقف القروض الدولية، ليس فقط من صندوق النقد، بل من الاتحاد الأوروبي والخليج، ما لم ينفذ السيسي “الوصفات المؤلمة” بالكامل. وهنا يبرز السؤال: ألم يكن هذا الدعم يتدفق سابقًا رغم تجاوزات النظام؟ ولماذا يتوقف الآن؟

 

محمود وهبة، الخبير الاقتصادي المقيم في أمريكا، يصف ما يحدث بأنه نتيجة حتمية “للعلاقة المشبوهة” التي ربطت نظام السيسي بدوائر النفوذ الأمريكي والإسرائيلي منذ انقلاب 2013، حيث وظفت واشنطن وتل أبيب الصناديق الدولية لضمان استمرار حليفهما الأوثق في القاهرة. لكنه يضيف: “اليوم بدأوا يرون السيسي عبئًا أكثر منه حليفًا، بعد أن أوصل الاقتصاد لحافة الانهيار، وأشعل الغضب الشعبي المكتوم”.

 

الأرقام التي يعرضها الصندوق صادمة: التزامات ديون تتجاوز قدرة الدولة على السداد، تراجع احتياطي النقد الأجنبي، اعتماد الاقتصاد على السياحة وقناة السويس التي تضررت بفعل حرب غزة، وتوسع الجيش في السيطرة على الاقتصاد بدل دعم القطاع الخاص، وهو ما يرفضه الصندوق صراحةً.

 

حتى البرلمان الموالي لم يسلم من الانتقاد، حيث أقر النائب هاني خضر بأن الأغلبية تمرر القروض “تحت لافتة المسئولية التضامنية”، دون معرفة تفاصيلها، في حين تُحمّل المعارضة الحكومة مسئولية “مواصلة السير نحو الانهيار وإفقار الشعب”.

 

ويرى خبراء أن وقف الدعم الأمريكي-الإسرائيلي عبر المؤسسات المالية قد يكون وسيلة للضغط على السيسي لتنفيذ أجندة أكثر قسوة، أو لإعادة تشكيل المشهد السياسي المصري عبر بدائل أكثر “مرونة” في تنفيذ المصالح الغربية والإسرائيلية في المنطقة.

 

فهل نحن أمام بداية سقوط الغطاء الدولي عن السيسي؟ أم أن واشنطن وتل أبيب ترتبان “صفقة جديدة” معه بعد إذلاله اقتصاديًا وسياسيًا؟