بعد حكم القضاء الإداري بوقف جمعيتهم العمومية…هل تخلى المحامون عن معركة الرسوم القضائية ؟

- ‎فيتقارير

 

أزمة الرسوم القضائية التي أشعلتها محاكم الاستئناف، واعترضت عليها نقابة المحامين مازالت تراوح مكانها دون تحقيق تقدم يذكر رغم تداعياتها السلبية على حق المواطنين في التقاضي، ومع ضغوط نظام الانقلاب الدموي حدث تراجع من نقابة المحامين وتهدئة إلى حين، وذلك عقب صدور محكمة القضاء الإداري بوقف تنفيذ قرار مجلس النقابة العامة الصادر في 14 مايو 2025، والذي دعا إلى انعقاد جمعية عمومية غير عادية، كان من المقرر أن تنعقد في 21 يونيو الماضي لمناقشة سبل التصعيد ضد الرسوم القضائية . 

هذه التطورات دفعت البعض إلى القول بأن نقابة المحامين تراجعت عن موقفها، وأنها لن تواصل اعتراضها على الرسوم القضائية رغم أنها مخالفة للقانون والدستور، في حين يؤكد البعض أن النقابة ستواصل المعركة حتى تتراجع محاكم الاستئناف عن قرارها الذى يهدد بتحويل المحاكم إلى مراكز استثمارية تهدف إلى الربح وليس لتحقيق العدالة واقرار حق التقاضي للجميع .

هل تراجعت نقابة المحامين عن مواصلة معركتها ضد الرسوم القضائية أم أن هذه الفترة هي استراحة محارب سيتم بعدها مواصلة الكفاح ضد الاستنزاف والظلم الانقلابي ؟  

 

استمرار التصعيد

 

من جانبه قال عمرو الخشاب، عضو مجلس النقابة العامة للمحامين: إن "النقابة ستواصل الدفاع عن حقها في تطبيق الدستور والقانون، ولن تتراجع أمام محاولات إخضاعها أو تقييد حركتها معتبرا أنه من العار أن يتجاهل القضاء الدستور وأن تتحول وزارة عدل الانقلاب إلى قطاع استثماري لجني الأموال، بدلًا من أن تكون مرفقًا يحقق العدالة لجميع المواطنين". 

وأضاف الخشاب في تصريحات صحفية : النقابة أجرت استطلاعًا للرأي بين المحامين على مستوى محاكم الجمهورية، أظهرت نتائجه تأييدًا واسعًا للاستمرار في التصعيد، احتجاجًا على ما وصفوه بتجاهل دولة العسكر لمطالب المحامين وحقوقهم. 

ووصف حكم المحكمة الإدارية بوقف عقد الجمعية العمومية بأنه “مسيّس”، مؤكدا أن المحكمة تجاوزت اختصاصاتها بالتدخل في جدول أعمال الجمعية العمومية، وهو ما يمثل انحيازًا من القضاء لبعضه البعض، في لحظة كانت النقابة تمارس فيها حقها الدستوري في الدفاع عن العدالة، باستخدام أدوات مشروعة كفلها الدستور والقانون. 

واعتبر الخشاب ما ورد في حيثيات الحكم من إشارات إلى تعطيل مرفق عام يعكس فهمًا خطيرًا ومغلوطًا لدور النقابات المهنية والعمالية، متسائلا : منذ متى أصبحت الإضرابات والاعتصامات، وهي حق مشروع مكفول بالدستور والمواثيق الدولية، أعمالًا غير مشروعة؟

وأكد أن مثل هذا التوجه يُعدّ خطرًا داهمًا على مسار العدالة، ويكشف عن توظيف القضاء لحماية سياسات السلطة التنفيذية منتقدا برلمان السيسي الذى لم يقم بدوره في الدفاع عن قضية تمس مرفق العدالة والمواطن في آن واحد، رغم أن هذا من صميم اختصاصه لكنه بات أسيرًا للأغلبية الموالية لسلطات الانقلاب وتخلى عن وظيفته الأساسية في التشريع والدفاع عن مصالح الشعب .

 

الرسوم القضائية

 

وأكد المحامي ياسر سعد أن ما يحدث من المحامين حتى الآن لا يعد تصعيدًا حقيقيًا، بل مجرد بداية لتحركات جزئية تشمل التوقف الجزئي عن توريد الرسوم، والامتناع الجزئي عن الحضور، وتنظيم وقفات احتجاجية بالمحاكم والنقابات الفرعية. 

وشدد سعد في تصريحات صحفية على أن أزمة الرسوم القضائية لا تخص المحامين فقط، بل تمس المواطنين بشكل مباشر، قائلاً: "لا يجب تقديم المحامين باعتبارهم فقط مدافعين عن المواطنين، لأنهم جزء لا يتجزأ من هذا المجتمع، ويجب أن يتمتعوا بالحقوق الدستورية ذاتها، وأبرزها الحق في التقاضي".

وأشار إلى أن فرض رسوم مرتفعة يقيد هذا الحق، ويجعل اللجوء إلى العدالة حكرًا على الأثرياء، وهو ما يُقصي الفقراء عن حقهم الطبيعي في الدفاع عن أنفسهم.  

وقال سعد: إن "القرارات الأخيرة بشأن الرسوم القضائية، تخالف مبادئ العدالة الدستورية، وقد تؤدي إلى اهتزاز ثقة المجتمع في مرفق العدالة، حتى من قبل الفئات القادرة، لأن العدالة حين تخضع للأهواء، تفقد معناها، رغم أنها أحد أهم أركان الدولة".  

 

كيانات مستقلة

 

وكشف سعد عن أن هناك خلافًا جوهريًا قائمًا حول حدود رقابة السلطة القضائية على عمل الجمعيات العمومية للنقابات المهنية، مشيرًا إلى أن النقابات، وفقًا للدستور والمواثيق الدولية، هي كيانات مستقلة، وتتمتع بحرية التنظيم، وتُعد جمعياتها العمومية هي السلطة العليا فيها. 

وأضاف: ما نطلبه لا يتجاوز حقًا أصيلًا للمحامين في الاجتماع ومناقشة أوضاعهم، ولا يحق لأي جهة -بما في ذلك مجلس الدولة- أن تُقحم نفسها في جدول أعمال جمعيتهم العمومية أو تقرر انعقادها من عدمه.  

وانتقد سعد قرار مجلس نقابة المحامين بعدم المضي قدمًا في عقد الجمعية، قائلاً: كان من الممكن عقد الاجتماع تحت مسميات قانونية أخرى، دون الدخول في صدام مباشر مع الحكم، خاصة في ظل اكتمال الاستعدادات.  

واعرب عن اعتقاده بأن تراجع المجلس ربما جاء نتيجة ضغوط أو تعليمات في ظل توترات محلية وإقليمية.   

 

ناقوس خطر

 

وأكدت المحامية عزيزة الطويل أن أزمة الرسوم القضائية لا تخص المحامين وحدهم، بل تمس المواطنين بصورة مباشرة، محذرة من أن فرض رسوم قضائية مرتفعة في ظل أوضاع اقتصادية صعبة يؤدي إلى تقليص فرص التقاضي وتحويل مرفق العدالة إلى خدمة نخبوية تقتصر على الأغنياء. 

وانتقدت عزيزة الطويل في تصريحات صحفية حكم محكمة القضاء الإداري بوقف الجمعية العمومية الطارئة للمحامين واصفة هذا الحكم بأنه صادم على عدة مستويات ويشكّل مساسًا خطيرًا بحرية التنظيم والعمل النقابي، ويناقض صراحةً نصوص الدستور والقانون والمواثيق الدولية. 

وأشارت إلى أن بعض الهيئات، سبق أن مارست الإضراب في عهد الرئيس الشهيد محمد مرسى عام 2012 عقب الإعلان الدستوري، حينما توقف بعض القضاة عن العمل، متسائلة: كيف يُجرَّم هذا الحق على المحامين، بينما تمارسه مؤسسات أخرى؟  

واعتبرت عزيزة الطويل أن الحكم يشكّل سابقة خطيرة. مشيرة إلى أن النقابة طعنت على هذا القرار أمام المحكمة الإدارية العليا لتصويب ما ورد فيه من أخطاء قانونية ودستورية، رغم أن موعد الجمعية العمومية قد فات بالفعل. 

وحذرت من أن الحرمان من حق الانعقاد تحت غطاء قانوني هشّ يُعد ناقوس خطر يهدد ليس فقط نقابة المحامين، بل عموم النقابات المهنية.