دعت عشائر سيناء السفاح عبد الفتاح السيسي إلى فتح معبر رفح فورًا، وتبنت في بيانٍ لها الدعوة إلى حراك شعبي لفك الحصار عن قطاع غزة وإنقاذ أهله من الموت جوعًا، مؤكدةً رفضها الخضوع لأي ابتزاز سياسي أو عسكري.
وأعلن مجلس العشائر عن جاهزيته الكاملة للمشاركة في تأمين قوافل المساعدات ولعب دور فعّال في كسر الحصار عن القطاع، مشيرًا إلى أن غزة "أمانة في أعناق الجميع"، ولا يجوز أن تجوع وتُباد ومصر على حدودها.
اعتقال المتطوعين
وسريعًا، جاء رد السيسي على نداء العشائر — التي تنتمي لقبائل السواركة، لا الترابين — باعتقال عدد من المتطوعين المصريين الذين كانوا يجمعون التبرعات لتمويل تكايا الإطعام في قطاع غزة، مما أدى إلى توقف عمل هذه التكايا التي كانت تقدم الطعام لآلاف الجوعى.
وذكرت تقارير، من بينها تقرير لمنصة "صحيح مصر"، أن الأجهزة الأمنية أفرجت عن بعض المعتقلين بعد توقيعهم تعهدات بوقف العمل التطوعي، بينما لا يزال عدد غير معروف منهم رهن الاحتجاز، بحسب شهادات أهالي المتطوعين والمتبرعين.
وبحسب المنصة، فإن هؤلاء الشباب المصريين شاركوا منذ شهور في دعم المبادرات الإغاثية لغزة، كما فعلت مئات الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني داخل مصر وخارجها، وجرى استهدافهم رغم أن غزة تعاني من المجاعة بعد نفاد مخزون الأونروا من الدقيق منذ أبريل الماضي.
روايات من الداخل
تحدثت "ليلى" — وهو اسم مستعار لمتطوعة تم الإفراج عنها — لمنصة "صحيح مصر"، قائلة إنها بحثت منذ اندلاع الحرب على غزة في أكتوبر 2023 عن جهة موثوقة يمكنها إيصال التبرعات لشراء الأدوية والخيام والملابس والاحتياجات الأساسية.
وأضافت: "في بدايات الحرب لم تكن الحاجة للطعام طاغية؛ كانت المؤسسات الدولية لا تزال تعمل، وكان لدى السكان بعض المال، رغم غلاء الأسعار".
لاحقًا، قررت الانضمام لمبادرة مصرية تجمع التبرعات من الأصدقاء والمعارف، وترسلها إلى ثلاثة شبان فلسطينيين داخل غزة، يتوزعون جغرافيًا على الشمال والجنوب والوسط، ويتولون تأسيس التكايا وطهي الطعام وتوزيعه.
خمس تكايا على الأقل
رصدت المنصة خمس تكايا تمولها تبرعات المصريين، مع الإشارة إلى أن العدد الحقيقي أكبر، نظرًا لسرية هذه الأنشطة خشية الاحتلال الإسرائيلي وغياب مركزية التنسيق.
وذكرت أن هذه التكايا تعمل على شراء الأرز والعدس والخضروات وألبان وحفاضات الأطفال، إضافة إلى أدوات النظافة. ومع تفاقم المجاعة وندرة المواد وارتفاع أسعار السلع، تحوّل تركيز المبادرات إلى توفير الحد الأدنى من الغذاء، بل وأصبحت توفر أيضًا عربات مياه.
أشارت ليلى إلى أن المبادرة ترسل لها يوميًا مقاطع فيديو توثّق وصول المساعدات إلى مستحقيها، وهو ما كان يمنحها الثقة في مصير تبرعاتها.
اعتقالات متواصلة
أما "نورا"، وهي متطوعة أخرى استخدمت اسمًا مستعارًا، فقالت إن فريقها بدأ العمل منذ اندلاع الحرب، ونما سريعًا بعد قرار إسرائيل وقف دخول المساعدات ثم منعها كليًا في مارس.
وأضافت أنه تم اعتقالها وعدد من زملائها أواخر الشهر الماضي، وأبلغوها أثناء التحقيق أن جمع التبرعات وتحويلها لغزة "غير قانوني". ورغم توثيقهم لعملية التوزيع بالفيديو، تم الإفراج عنهم فقط بعد التوقيع على تعهدات بعدم العودة للعمل.
قالت نورا: "لن نعود لجمع التبرعات حفاظًا على سلامتنا. صور الأطفال الجوعى تقتلنا.. حاولنا، لكن لا نستطيع المواصلة".
صوت سيناوي معارض
وفي تعليق للناشط السيناوي عيد المرزوقي، حذر من توريط أهالي سيناء، مؤكدًا أن:
-
الحدود مع غزة بطول 14 كم فقط، تحت سيطرة الجيش المصري من جهة، والإسرائيلي من جهة أخرى (عبر خط فيلادلفيا).
-
الأنفاق أغلقت منذ سنوات، وغزة تعتمد اليوم فقط على معبر كرم أبو سالم الإسرائيلي.
-
رفح المصرية باتت خالية من السكان بعد تهجيرهم لمسافة تتجاوز 5 كم.
-
تهريب الطعام أو الدواء يُصنّف "جريمة إرهابية" في القوانين العسكرية الحالية.
وأضاف أن من يطالب بدور عشائري في هذا الظرف "إما يجهل الواقع، أو يسعى لتوريط الأهالي"، مشددًا على أن "ما يحدث على الحدود اليوم هو ملف عسكري وأمني، وليس مروءة قبلية".
وأكد: "نحن مع الشعب الفلسطيني إنسانيًا، لكننا لسنا أدوات أو حطبًا رخيصًا. لن نُستدرج لمعارك محسومة، ولن نعيد أخطاء الماضي".
بيان مجلس العشائر
كان مجلس عشائر شمال سيناء قد أصدر بيانًا من مدينة العريش بتاريخ 19 يوليو، استُهل بآية قرآنية: "وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ"، داعيًا إلى فتح معبر رفح فورًا، دون تنسيق سياسي أو عسكري، ومشاركة العشائر في تأمين القوافل، والدعوة لحراك شعبي واسع على الأرض وفي الفضاء الرقمي، عبر هاشتاج #افتحوا_معبر_رفح.
وجاء في البيان: "لن نقف موقف المتفرج وأشقاؤنا يُذبحون خلف الأسلاك"، مؤكدًا أن ما يحدث في غزة "جريمة بشعة"، وأن "غزة أمانة في أعناقنا".
خلفية
ويُذكر أن الشيخ خلف المنيعي، من كبار مشايخ السواركة، وأحد أبرز رموز سيناء في مواجهة الفكر المتشدد، كان قد اغتيل في 2012 على يد ملثمين من تنظيم داعش، بعد عودته من مؤتمر لمحاربة الإرهاب ودعم القوات المسلحة.
عائلته اليوم، ممثلة في عشيرة المنيعي، تشارك في دعوة مجلس العشائر لكسر الحصار عن غزة.
تصاعد الغضب
يتزامن هذا التصعيد الشعبي مع تفاقم الكارثة الإنسانية في غزة، وتحذيرات أممية من مجاعة تهدد مئات الآلاف من الأطفال والنساء، في ظل استمرار إغلاق المعبر، وتعثر وصول المساعدات الطبية والغذائية من الجانب المصري.
واختُتم البيان برفض الضغوط الأمريكية والإسرائيلية، والدعوة إلى "قرار سيادي مستقل لإنقاذ غزة قبل فوات الأوان".
وقد تفاعل مصريون مع النداء عبر هاشتاج #افتحوا_معبر_رفح، وبدأت دعوات في شمال سيناء للتجمع السلمي قرب بوابة المعبر، رفضًا "للموت البطيء المفروض على غزة".