أعادت محكمة جنايات القاهرة الاستئنافية، برئاسة المستشار خالد الشباسي، الجدل حول حماية الفاسدين في مصر، بعد أن ألغت حكم الحبس لمدة عام بحق ورثة وزير الدولة الأسبق لشؤون مجلسي الشعب والشورى، كمال الشاذلي، والمتهم الرابع المقرب من الأسرة إيهاب ناصف خليفة، في قضية الكسب غير المشروع، وأحالت القضية مجدداً إلى النيابة العامة.
الحكم لم يُبرئ المتهمين، بل أوقف العقوبة استناداً إلى خلل إجرائي في طريقة رفع الدعوى، إذ أوضحت المحكمة أن القضية لم تُحرك وفق المسار القانوني الذي ينص عليه قانون الكسب غير المشروع، وهو ما يجعل نظرها غير جائز في صورتها الحالية. هذا الخلل — كما يرى خبراء قانونيون — يكشف نمطاً متكرراً في قضايا الفساد الكبرى، حيث تسقط الأحكام أو تُلغى بسبب "أخطاء" إجرائية، رغم وجود اتهامات ثقيلة وأدلة مالية وعقارية مثيرة للتساؤل.
التسويات بدل العقاب
القضية التي تعود جذورها إلى ما بعد ثورة يناير 2011، ارتبطت باتهامات باستغلال النفوذ السياسي للحصول على أراضٍ وممتلكات وأرصدة مالية لا تتناسب مع الدخل المعلن. ورغم أن جهاز الكسب غير المشروع كان قد أقر في 2016 بانقضاء الدعوى الجنائية بعد تسوية مالية مع الورثة وردّ أكثر من 60 مليون جنيه والتنازل عن مساحات شاسعة من الأراضي، فإن النيابة طعنت على التصالح، معتبرة أن أصولاً وممتلكات أخرى لم يشملها الاتفاق.
لكن المسار القضائي لم ينتهِ إلى إدانة أو عقوبة، بل إلى إلغاء الحكم لأسباب شكلية، ليعود الملف من جديد إلى يد النيابة، التي تملك سلطة إعادة تحريكه أو حفظه نهائياً.
حماية ممنهجة أم صدفة قانونية؟
تاريخ القضاء المصري خلال العقد الأخير يُظهر أن قضايا الفساد الكبرى، خاصة المرتبطة برجال مبارك وأسرهم، غالباً ما تنتهي إمّا بالتصالح، أو بإسقاط الأحكام بدعوى الخلل الإجرائي، أو بقرارات الحفظ لعدم كفاية الأدلة. ومن هنا يطرح سؤال سياسي مشروع:
هل هذه مجرد مصادفات قانونية متكررة، أم سياسة مقصودة لحماية إرث شبكات المصالح التي حكمت مصر قبل 2011، والتي يجد نظام السيسي نفسه امتداداً لها؟
التحليل السياسي يشير إلى أن السيسي لم يسعَ إلى تفكيك بنية الفساد الموروثة، بل أعاد دمج كثير من رموزها وأبناءهم في المشهد السياسي والاقتصادي، ربما لضمان ولائهم واستقرار حكمه. فالمحسوبية وشبكات النفوذ العائلية لا تزال تتحكم في توزيع الثروة والفرص، والسماح بسقوط الرموز القديمة قد يفتح الباب للمساءلة عن فساد الحاضر.
بهذا، تصبح حماية الفاسدين — سواء عبر التسويات المالية أو العيوب الإجرائية — ليست فقط دفاعاً عن الماضي، بل أيضاً حماية لنظام سياسي قائم على نفس القواعد التي حكم بها مبارك: الفساد جزء من آلية الحكم، ومن يسقطها يهدم أركان سلطته بنفسه.