في عام 2015، هللت حكومة المنقلب السفيه السيسى ، لاكتشاف حقل "ظهر" في البحر المتوسط، واصفة إياه بأنه أكبر اكتشاف غازي في تاريخ البلاد، وبأنه سيحوّل مصر إلى مركز إقليمي للطاقة ويحقق الاكتفاء الذاتي. الحقل، الذي اكتشفته شركة "إيني" الإيطالية على مساحة 100 كيلومتر مربع في منطقة شروق على بُعد 200 كيلومتر من سواحل بورسعيد، ضُخت فيه استثمارات تجاوزت 12 مليار دولار، ودخل الإنتاج عام 2017 في وقت قياسي، وسط دعاية رسمية وإعلامية ضخمة.
التوقعات كانت مبهرة: ذروة الإنتاج منتصف 2019، عائدات سنوية تصل إلى 2.6 مليار دولار، تشغيل محطات الإسالة، وتحقيق فائض للتصدير خاصة إلى أوروبا، في ظل احتياطي إقليمي ضخم قدرته إدارة معلومات الطاقة الأميركية بنحو 200 تريليون قدم مكعبة. الإعلام المحلي وصف الحقل بـ"العملاق" و"كنز الغاز المصري" و"نقطة التحول في ملف الطاقة".
لكن المشهد تغير بسرعة وبشكل صادم. فعلى الرغم من افتتاح الحقل وسط وعود بانخفاض أسعار الغاز المحلي وتحقيق فوائض للتصدير، قفزت الأسعار داخلياً، وظلت وعود الرخاء بعيدة عن الواقع. ثم بدأ الحديث عن "ظهر" يتلاشى، ليحل محله تقارير عن تراجع غير متوقع في الإنتاج والاحتياطيات، وسط اتهامات بسوء إدارة، وغياب الاستثمارات الجديدة، بل وأحاديث عن تخريب متعمد.
الأرقام كانت كاشفة:
ديسمبر 2024: الإنتاج 1.56 مليار قدم مكعبة يومياً.
يناير 2025: تراجع إلى 1.49 مليار قدم.
فبراير 2025: هبوط إنتاج مصر من الغاز ككل إلى 4.22 مليارات قدم مكعبة يومياً، وهو أدنى مستوى منذ أبريل 2016.
هذا الانهيار في إنتاج "ظهر" ترافق مع تحركات حكومية عاجلة لاستيراد الغاز من الخارج، بتكلفة مليارات الدولارات، في وقت ازدهرت فيه صادرات الحقول الإسرائيلية المجاورة، وعلى رأسها "ليفياثان" و"تمار"، التي سجلت أرقاماً قياسية في التصدير لمصر والأردن وأوروبا.
تحليلات الخبراء: سوء إدارة أم تخريب؟
خبراء الطاقة والمراقبون انقسموا حول تفسير ما جرى إلى 3 آراء، الرأي الأول: ما حدث نتيجة سوء إدارة حكومي، وعدم ضخ استثمارات جديدة في عمليات الحفر والصيانة، مع اعتماد مفرط على "إيني" التي قلّصت نشاطها في الحقل.
والرأي الثاني: أن هناك مبالغة ضخمة منذ البداية في تقدير حجم الاحتياطي والإنتاج المتوقع، في إطار دعاية سياسية. أما الرأي الثالث والأكثر إثارة للجدل فكان أن تراجع "ظهر" قد يكون جزءاً من سياسة متعمدة لدعم صادرات الغاز الإسرائيلية، التي استفادت مالياً من تعثر الحقل المصري، وسط شواهد على تعاون وثيق بين القاهرة وتل أبيب في ملف الطاقة.
اليوم، بات حقل ظهر – الذي كان يوصف بأنه "حلم الطاقة المصري" – يواجه خطر الخروج من المعادلة تماماً، بينما تتحول إسرائيل إلى المستفيد الأكبر من تراجع إنتاجه، في وقت يطرح فيه الشارع سؤالاً سيبقى مفتوحاً:
هل ما حدث كان فشلاً إدارياً عادياً، أم أن الحقل تعرّض لعملية إعدام اقتصادي لخدمة أجندات إقليمية؟
الإيرادات الإسرائيلية بعد تراجع "ظهر"
مع تراجع إنتاج الحقل المصري، تضاعفت أهمية الغاز الإسرائيلي لمصر. أبرز التطورات:
زيادة واردات مصر من الغاز الإسرائيلي – وفقًا للتقارير، ارتفع حجم الاستيراد من إسرائيل بنحو 18.5% خلال 2024 ليصل إلى أكثر من 10.16 مليار متر مكعب.
اتفاقية جديدة من "ليفياثان" بتوريد 130 مليار متر مكعب إلى مصر حتى 2040 بقيمة 35 مليار دولار – تُعد الأكبر في تاريخ إسرائيل
هذا يعني أن إسرائيل حققت أرباحًا إضافية كبيرة، وتعزز اعتماد مصر على الغاز الإسرائيلي كجزء من استراتيجيتها لتفادي انقطاع الإمدادات.