توجه حكومة الانقلاب واعتمادها على الاقتراض من الداخل والخارج يتزايد بصورة كبيرة، رغم تزايد الديون الخارجية إلى ما يقارب الـ 160 مليار دولار واقتراب الدين العام من الـ 4 تريليون جنيه.
ورغم مخاطر هذا التوجه ورغم تحذيرات المؤسسات الدولية، إلا أن حكومة الانقلاب لم تعد تسمع لنصائح الخبراء، وتمضي في طريق الاستدانة وتتجاهل كل التحذيرات .
كان صندوق النقد الدولي قد كشف عن تسارع معدل الاقتراض الحكومي بالدولار الأمريكي من البنوك المحلية لتصل إلى أعلى معدلاتها خلال تسع سنوات بنهاية نوفمبر الماضي، مقارنةً بتراجع اقتراض القطاع الخاص، ما يعكس مزاحمة قوية من القطاع الحكومي.
ووفقًا لتقرير المراجعة الرابعة للاتفاق الصادر عن صندوق النقد خلال يوليو الماضي، تضاعف إجمالي حجم الاقتراض بالعملة الأجنبية من البنوك المحلية مما يقرب من 30 مليار دولار في 2015 إلى نحو 60 مليار دولار بنهاية نوفمبر 2024.
مراجعة الصندوق
وأكد التقرير أن الجهات المملوكة لدولة العسكر (التي تشمل الهيئات الاقتصادية) كان لها نصيب الأسد من القروض، مؤكدا أن حجم اقتراضها ارتفع من أقل من 5 مليارات دولار إلى نحو 45 مليار دولار مقابل تراجع اقتراض باقي الشركات غير العاملة في النشاط المالي من 20 مليار دولار إلى نحو 16 مليارًا خلال الفترة نفسها.
وأشار إلى أنه رغم أن حكومة الانقلاب أصدرت قرارًا في نوفمبر 2023 بتأجيل المشروعات التي تحتاج إلى مكون دولاري يُستورد من الخارج، وفي 2024 أصدرت قرارًا آخر بترشيد نفقاتها الاستثمارية، إلا أن مراجعة الصندوق الأخيرة تُظهر أن دولة العسكر لم تلتزم بكبح استثماراتها، حيث كان يفترض أن تقتصر على 350 مليار جنيه خلال النصف الثاني من العام المالي الماضي، لكن فعليًا أنفق 531 مليار جنيه بنهاية يوليو 2024.
وأوضح التقرير أن الصندوق طالب بكبح الاستثمارات العامة على خلفية انتقادات تضخم هذه النفقات بدفع من المشروعات الفنكوشية، مثل العاصمة الإدارية الجديدة، وخطوط السكك الحديدية، بجانب التوسعات الاستثمارية للقوات المسلحة خلال العقد الأخير، مشيرا إلى أن 25% من الـ62 شركة التابعة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية تم تأسيسها خلال العقد الأخير .
وحذر من تضخم قيمة الضمانات التي تمنحها وزارة مالية الانقلاب لتغطية الاقتراض المحلي والأجنبي للهيئة العامة للبترول، التي بلغت نحو 18% من الناتج المحلي الإجمالي إلى جانب الهيئات المسؤولة عن التوسع في الإنفاق الاستثماري مثل هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة.
وأكد التقرير أن الأزمات المالية لهيئة البترول تتفاقم مع زيادة وارداتها من الغاز المسال وعدم قدرة شركة الكهرباء على سداد كامل مستحقاتها.
مشروعات فنكوشية
حول أسباب تزايد توجه حكومة الانقلاب إلى الاقتراض أكد عمرو الألفي رئيس قطاع إستراتيجيات الأسهم بشركة ثاندر لتداول الأوراق المالية أن توسع حكومة الانقلاب في تنفيذ مشروعات فنكوشية تحتاج لتمويل أجنبي مثل مشروع المونوريل والمشروعات المدرجة تحت مسمى مشروعات قومية كبرى أدى إلى تسارع وتيرة استدانة جهات تابعة لدولة العسكر بالدولار من البنوك.
وتوقع الألفي في تصريحات صحفية أن تكون صعوبة الظروف الاقتصادية للبلاد مؤخرًا قد دفعت القطاع الخاص إلى تأجيل خططه للاستثمار بالعملة الصعبة في الوقت الحالي، وهو ما انعكس على توجه البنوك بسيولتها الأجنبية لإقراض حكومة الانقلاب القوية، من حيث الملاءة المالية والمضمونة.
وأشار إلى أنه وفق بيانات صندوق النقد، فإن نصيب الاستثمارات العامة من إجمالي الاستثمارات في 2023 بلغت 74%، وهي من أعلى المعدلات في الأسواق الناشئة.
الأداة الوحيدة
وقال خبير السياسات العامة محمد فؤاد: إن "توجه حكومة الانقلاب نحو الاقتراض المكثف من الجهاز المصرفي المحلي لم يعد خيارًا مؤقتًا، بل أصبح سمة هيكلية تعكس اعتمادًا متزايدًا على التمويل المحلي لسد فجوات متسعة في الموازنة العامة لدولة العسكر".
وأكد فؤاد في تصريحات صحفية أن بيانات للبنك الدولي تعكس تراجع نصيب القطاع الخاص من الإقراض المحلي، بعد قياسه كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، حيث انخفضت في آخر عقدين من أكثر من 50% في 2004 إلى 27% في 2024.
وأشار إلى أنه مع ارتفاع تكاليف دعم الطاقة وتمويل الواردات، أصبح الاقتراض المحلي الأداة شبه الوحيدة المتاحة لضمان استمرار الإنفاق العام.
وقال فؤاد: إننا "بصدد نموذج اقتصادي يعيد إنتاج دور دولة العسكر كممول ومنظم ومنتج في آنٍ واحد، ويضع القطاع الخاص في موقع المتلقي أو التابع، لا القائد للنمو كما يريد صندوق النقد والبنك الدولي".
وحذر من المعاملة التفضيلية التي تتلقاها الشركات المملوكة لدولة العسكر والقطاع العام والهيئات الاقتصادية على حساب القطاع الخاص، منتقدًا استمرار اعتماد دولة العسكر على قروض البنوك ومصادر الاقتراض الأخرى بدلًا من التركيز على الضرائب التي لا تتجاوز حصيلتها 13% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة تقل كثيرًا عن المتوسطات الإقليمية والدولية (16% في إفريقيا) و30% في دول منظمة التعاون والتنمية OECD)".
وطالب فؤاد بضرورة تسريع وتيرة تخارج دولة العسكر من الأصول العامة للحد من الاقتراض العام، مع مراجعة سياسات تمويل نفقات الموازنة .
البنك المركزي المصري
وقال الخبير الاقتصادي معتز يكن: إنه "في مقابل تسارع وتيرة الاستدانة الحكومية، يعاني القطاع الخاص من إجراءات مشددة خلال السنوات الأخيرة في سبيل الحصول على قروض دولارية، على خلفية ارتفاع مخاطر الإقراض بالعملة الأجنبية في ظل أزمة شح الدولار، وهو سبب من أسباب انكماش الإقراض الدولاري للشركات".
وأوضح يكن في تصريحات صحفية أن البنك المركزي المصري اتخذ إجراءات مشددة مؤخرًا لتقييد منح القروض بالعملة الأجنبية للقطاع الخاص، مشترطًا أن يكون لدى الشركات المقترِضة مصادر واضحة ومنتظمة للدخل بالعملة الأجنبية مثل عائدات التصدير أو التحويلات الخارجية، ما أدى لانخفاض نسبة القروض مقارنةً بالقطاع العام.
وشدد على أن هذا النمط يعكس عجز القطاع الخاص عن التوسع، ليس فقط بسبب شُحّ التمويل، بل نتيجة عجزه عن توليد إيرادات دولارية ناتجة عن ضعف في قدراته التصديرية.
وكشف يكن أن أزمة القطاع الخاص لا تقتصر على ضعف التمويل الموجه له، لكن تكمن كذلك في المعوقات والتي بدون إزالتها، لا يمكن التعويل على قدرة القطاع الخاص على أداء الدور المأمول .