يواجه القطاع العقاري واحدة من أعقد أزماته وسط مؤشرات متشابكة تنذر بـ"فقاعة صامتة" تهدد بانهيار غير معلن، في ظل ركود حاد في الطلب يقابله استمرار في ارتفاع الأسعار ، وتشدد حكومي وبنكي يضغط على المطورين، وتحولات جذرية في أنماط البيع والشراء.
ورغم الارتفاع المستمر لأسعار الوحدات، يشكو مطورون عقاريون من أزمة سيولة ممتدة منذ أربع سنوات، تصاعدت مؤخرًا مع تشدد البنوك في إقراض الشركات وغياب التمويل المصرفي، ما دفع هذه الشركات إلى الاعتماد على التمويل الذاتي لمشروعاتها.
هذا الوضع ضاعف الأعباء المالية، خاصة في ظل تراكم مديونيات الأراضي والأقساط المستحقة لهيئة المجتمعات العمرانية.
كانت لجنة التطوير العقاري بجمعية رجال الأعمال قد حذرت في خطاب رسمي لحكومة الانقلاب من تعثر المزيد من الشركات وفقدان ثقة العملاء، مطالبة بإعادة مبادرات التمويل العقاري وخفض الفائدة على قروض البناء، وتوسيع طرح الأراضي للبناء، ومنح الشركات المتعثرة مهلاً لسداد المديونيات، وتشجيع الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص.
يشار إلى أن حكومة الانقلاب تحتكر عبر أذرعها المدنية والعسكرية حق تخصيص الأراضي الجديدة، مع فرض رسوم على الأراضي غير المطورة، بل وتشترط اقتطاع 50% من مساحة بعض الأراضي المخصصة للمشروعات الزراعية لتحويلها إلى سكنية، إضافة لرسوم تصل إلى 1500 جنيه للمتر. كما ترفض الجهات المعنية تسليم أي أراضٍ جديدة للمطورين قبل سداد جميع المديونيات، ما يعطل خطط التوسع.
ويرى مستثمرون أن قرارات حكومة الانقلاب الأخيرة، تمثل تغييرًا للعقود والشروط المالية المتفق عليها مسبقًا، معتبرين هذه الخطوة بمثابة "تأميم غير مباشر"
تكاليف البناء
فى هذا السياق كشف أسامة سعد الدين، رئيس غرفة التطوير العقاري، أن القفزات القياسية في أسعار الحديد والأسمنت والكهرباء ضاعفت تكاليف البناء، بينما تآكلت القدرة الشرائية للمستهلك بسبب انخفاض الدخل وقيمة الجنيه، ما جعل تسعير الوحدات الجديدة معضلة حقيقية بين تحقيق أرباح مقبولة وتلبية قدرات السوق.
ونفي سعد الدين فى تصريحات صحفية وجود "فقاعة عقارية" مشابهة لأزمة الرهن العقاري الأمريكية في عام 2008، محذرا من أن الاعتماد الواسع على القروض البنكية في المستقبل قد يجعل السوق عرضة لسيناريو مشابه إذا تراجعت دخول المشترين أو ارتفعت البطالة.
وأشار إلى أن السوق تشهد ركودًا واضحًا، إذ يتجه المشترون إما للانتظار أملاً في هبوط الأسعار، أو للبحث عن صفقات في السوق الثانوي، أو التوجه إلى الإيجار الذي عاد للانتعاش موضحا أنه في مواجهة هذا الركود، قدمت الشركات تسهيلات غير مسبوقة وصلت لبيع الوحدات بدون مقدمات، وتمديد الأقساط إلى 7–12 عامًا، وفي بعض الحالات حتى 20 عامًا عبر القروض.
جشع الشركات
وقال أستاذ الاقتصاد والخبير الاستثماري الدكتور ماجد عبد العظيم، إن سوق العقارات في مصر يشهد تضخما غير منطقي في الأسعار، لا سيما في مشروعات الساحل الشمالي، مشيرا إلى وجود مبالغة واضحة في هوامش الربح لدى بعض الشركات العقارية، واعتبر ذلك بمثابة طمع قد يؤدي لانفجار الفقاعة العقارية.
وأوضح عبد العظيم في تصريحات صحفية أن هناك تفاوتا كبيرا في شرائح العقارات، من الفاخرة التي يتجاوز سعر المتر فيها 900 ألف جنيه، إلى مشروعات الإسكان المتوسط ومحدودي الدخل، مؤكدا أن الغالبية العظمى من المصريين لا تنتمي لفئة المشترين في القطاع الفاخر.
وانتقد ما وصفه بانفصال السوق العقاري في الساحل الشمالي عن باقي مناطق الجمهورية، قائلا: "أسعار العقارات في الساحل طارت، وكأننا أمام سوق مختلف تماما".
وتساءل عن مبررات تسعير المتر بهذه الطريقة، في ظل غياب مبررات حقيقية مرتبطة بالخدمات أو التكلفة.
وأشار عبد العظيم إلى أن شركات التطوير العقاري تنقسم إلى فئات مختلفة، فبعضها من شركات الفئة A، يبيع العقارات وكأنها سيارات لامبورجيني أو فيراري، وهي موجهة لفئة لا تفاصل في الأسعار، في المقابل، هناك شركات تخاطب الفئات المتوسطة والاقتصادية، لكن حتى هذه الفئات باتت تعاني من ارتفاعات غير مبررة.
وحذر من أن استمرار سباق الأسعار بهذا الشكل، خاصة في الساحل الشمالي ينذر بفقاعة عقارية تهدد استقرار السوق على المدى المتوسط، داعيا إلى تسعير أكثر عقلانية يراعي مستويات دخول المواطنين والطلب الحقيقي.
غير طبيعية بالمرة
واعتبر محمد البستاني نائب رئيس شعبة الاستثمار العقاري بالاتحاد العام للغرف التجارية أن أسعار العقارات الحالية غير طبيعية بالمرة لا سيما في الساحل الشمالي.
وقال البستاني في تصريحات صحفية : منذ 40 عاما نشهد زيادة في أسعار العقارات، لكن منذ عامين ونصف العام السعر تضاعف 3 مرات بسبب ارتفاع سعر الدولار.أمام الجنيه .
وأكد أن ارتفاع أسعار العقارات مرتبط بشكل كبير بزيادة سعر الدولار، الي جانب ارتفاع معدل التضخم لـ 30%". موضحا أن العقارات عبارة عن استثمار طويل الأجل أو الانتفاع بالوحدة للإيجار.
وارجع سبب ارتفاع أسعار الإيجارات إلى وجود اللاجئين القادمين من السودان واليمن وسوريا مشيرا إلى أن مصر أصبحت قبلة للوطن العربي وأوروبا في الطلب على العقارات وهذا ما تسبب في ارتفاع الأسعار.
وشدد على أن أسعار العقارات لن تنخفض إلا عندما يعود معدل التضخم لـ 8 و9%، وحينها سنشهد تراجعا ملحوظا في الأسعار.
الربح السريع
وكشف الخبير الاقتصادي عمرو النشرتي، أن معظم المشترين في المشروعات الجديدة يستهدفون الربح السريع من خلال إعادة البيع، مما يؤدي إلى تضخم أسعار العقارات بشكل غير منطقي.
وأكد النشرتي فى تصريحات صحفية أن السوق العقاري قد يصل إلى نقطة جمود عندما يعجز المشترون عن تحقيق الأرباح المتوقعة أو عندما يتوقف المطورون عن رفع الأسعار.
وأوضح أن هذه الحلقة الاقتصادية ستتوقف قريبًا مع انخفاض الطلب، ما سيؤدي إلى تضخم “كرة الثلج” التي قد تضر بالاقتصاد بشكل كبير.
ونصح النشرتي بعدم شراء عقارات جديدة في الوقت الحالي، مشيرًا إلى أنه شخصيًا بدأ في التخلص من أغلب عقاراته، تحسبًا لأي انهيار محتمل في السوق.