في واحدة من أكبر كوارث الأمن القومي المصري، يواصل نظام المنقلب السفيه عبد الفتاح السيسي دفع ثمن توقيعه الكارثي على اتفاقية المبادئ في مارس 2015، التي شرعنت عملياً بناء سد النهضة الإثيوبي ومنحت أديس أبابا الغطاء القانوني لاستكمال مشروعها، بعد أن كان مجمداً لسنوات بسبب الرفض المصري والسوداني.
السيسي، الذي حاول في مؤتمره الصحافي الأخير مع الرئيس الأوغندي يويري موسيفيني الظهور بمظهر المدافع عن "حقوق مصر المائية"، اعترف بشكل غير مباشر بأن ملف مياه النيل أصبح أداة ضغط على مصر لتحقيق أهداف سياسية أخرى. لكنه تجاهل حقيقة أن هذه الأداة لم تكن لتوجد لولا توقيعه الطوعي على اتفاقية أزالت عن إثيوبيا أي قيود قانونية، وأضعفت أوراق القاهرة التفاوضية حتى الصفر.
من ورقة قوة إلى أداة ابتزاز
قبل اتفاقية السيسي، كان أي بناء أحادي للسد يعد انتهاكاً للقانون الدولي والاتفاقيات التاريخية لمياه النيل، مما منح مصر حق التحكيم الدولي والضغط السياسي. لكن بعد الاتفاقية، تحول الملف إلى ورقة ضغط ضد القاهرة تُستخدم بالتوازي مع ملفات أخرى، كالتهديد بالهجرة القسرية لسكان غزة نحو سيناء، في ظل مخطط إسرائيلي معلن لتغيير الواقع الديمغرافي في القطاع.
كذلك ابتزاز سياسي واقتصادي عبر ربط موقف مصر من قضايا إقليمية (فلسطين، السودان، التحالفات العربية) بملف حصتها المائية.
تصريحات السيسي عن "خطوط حمراء" في ملف غزة ورفض التهجير تبدو، في نظر مراقبين، محاولة للتغطية على حقيقة أن نفس الخطوط تم انتهاكها بالفعل في ملف النيل دون أي ردع.
مياه النيل… نحو إسرائيل؟
تطرح دوائر معارضة سؤالاً محورياً: هل كان الهدف الخفي من توقيع السيسي هو تمهيد الطريق لمشروع توصيل مياه النيل إلى إسرائيل؟. هذه الفرضية ليست جديدة، بل تتقاطع مع ما يُتداول منذ عقود عن "قناة السلام" التي طُرحت في عهد السادات لنقل مياه من سيناء إلى النقب. اليوم، ومع السيطرة الإثيوبية على منبع النهر، يصبح التحكم في تدفق المياه أداة مثالية لتنسيق توزيعها مستقبلاً بما يخدم التحالفات الجديدة في المنطقة، وعلى رأسها التطبيع العلني والمستتر مع الاحتلال.
تهيد وجودي يقترب من نقطة اللاعودة
السفير معصوم مرزوق يحذر من أن حجب المياه عن مصر، أو حتى احتجاز جزء كبير منها، يمثل تهديداً وجودياً يصل إلى حد"الإبادة"، نظراً لاعتماد مصر شبه الكامل على النيل. الخطر لا يتوقف عند العطش والجفاف، بل يمتد إلى احتمالية انهيار السد أو حدوث خلل جيولوجي، ما قد يؤدي إلى موجة فيضانية مدمرة تجرف السدود السودانية وتهدد السد العالي نفسه.
اتفاقية المبادئ… توقيع بلا مقابل
الواقع أن توقيع السيسي لم يجلب لمصر أي ضمانات مكتوبة لحصتها المائية، بل منح إثيوبيا حرية الملء والتشغيل وفق إرادتهاالمنفردة. وفي ظل استمرار المفاوضات العبثية، وتعدد جولات "التطمين" التي يطلقها النظام بلا نتائج، يبدو أن القاهرة فقدت ورقة القوة الوحيدة التي كانت تملكها: القدرة على منع بناء السد من الأساس.
خيانة لا تسقط بالتقادم
من زاوية الأمن القومي، ما جرى ليس مجرد خطأ استراتيجي، بل خيانة تاريخية ستظل تلقي بظلالها على أجيال قادمة. فمصراليوم ليست فقط أمام أزمة مياه، بل أمام معادلة إقليمية جديدة تُدار فيها مواردها الحيوية من خارج حدودها، وربما تُسخّر في النهاية لخدمة مشروع إسرائيلي أكبر.