قطاع غزة لا يواجه فقط القتل والتدمير الممنهج والإبادة الجماعية من جانب قوات الاحتلال الصهيونى بل يواجه أيضا خطرًا صحيًا متسارعًا يتمثل في انتشار الأمراض المقاومة للمضادات الحيوية على نطاق واسع داخل القطاع المدمر، وسط نقص حاد في الإمدادات الطبية.
هذا بجانب التجويع الذى يفرضه الاحتلال على سكان القطاع ما أدى إلى موت الكثيرين خصوصا من الأطفال وكبار السن .
كانت مجلة «لانسيت» الطبية، قد كشفت في دراسة جديدة لها بقسم الأمراض المعدية، وهي الأولى منذ اندلاع العدوان الصهيونى في أكتوبر 2023، عن انتشار البكتيريا المقاومة للأدوية المتعددة داخل القطاع، بالتزامن مع ارتفاع أعداد المصابين وتفاقم سوء التغذية بين السكان.
وحذرت المجلة من أن هذا الوضع يؤدي إلى إطالة مدة المرض وزيادة شدته، وتسريع انتقال العدوى، وارتفاع معدلات الوفيات، خاصة في ظل ضعف كثير من السكان بسبب نقص الغذاء والدواء ووجود مستويات مرتفعة من هذه البكتيريا.
كما حذرت من أن خطر البكتيريا المقاومة للأدوية سيتصاعد ما لم تتوقف هجمات الاحتلال والاستهداف المتعمد للمستشفيات والمختبرات ومحطات تحلية المياه.
وأكدت الدراسة أن ثلاثة أرباع العينات التي جرى تحليلها كانت من جرحى أصيبوا جراء الغارات الجوية الصهيونية أو هجمات مماثلة.
أمراض أكثر خطورة
فى هذا السياق قالت كريستل موصلي، مستشارة علم الأوبئة في منظمة أطباء بلا حدود والمؤلفة المشاركة في دراسات حول البكتيريا المقاومة للأدوية في غزة ومناطق نزاع أخرى في الشرق الأوسط،: ان نتائج الدراسة تعني أن أمراضًا أطول وأكثر خطورة، وارتفاع خطر انتقال العدوى إلى الآخرين، وزيادة خطر الوفاة من عدوى شائعة جدًا، إضافة إلى المزيد من عمليات البتر محذرة من أنه اذا استمرت الأوضاع الحالية فان الصورة فى قطاع غزة ستكون مروعة.
وأشارت كريستل موصلي فى تصريحات صحفية إلى أن الدراسة استندت إلى أكثر من 1300 عينة من مستشفى الأهلي، حيث يوجد أحد مختبرات الأحياء الدقيقة القليلة التي لا تزال تعمل في غزة.
وأكدت أن ثلثي العينات، المأخوذة من مرضى على مدى عشرة أشهر خلال العام الماضي، أظهرت وجود بكتيريا مقاومة للأدوية المتعددة.
وكشفت كريستل موصلي إن الأزمة تتفاقم بسبب التلوث الكبير لمصادر المياه وغياب برامج التطعيم المناسبة خلال حرب الإبادة التى تشنها قوات الاحتلال حيث تمنع دولة الاحتلال دخول الأدوية والمستلزمات الطبية .
نظام الرعاية الصحية
ووصف بلال عرفان، أحد مؤلفي الدراسة، النتائج بأنها مثيرة للقلق بشكل خاص بسبب التطورات السلبية التى يشهدها القطاع الصحى فى غزة منذ بداية العدوان الصهيونى .
وقال عرفان، وهو متخصص في الأخلاقيات الحيوية يجري أبحاثًا في مستشفى بريجهام والنساء بجامعة هارفارد وجامعة ميشيجان: نحن لا نعرف حتى النطاق الحقيقي بسبب تدمير معظم المختبرات ومقتل عدد كبير من الطاقم الطبي .
وشدد على أن الحصول على فكرة ولو بسيطة عما يحدث في غزة أمر بالغ الأهمية.
وأشار عرفان إلى أن التحليلات التى أجريت كشفت أن غزة تعاني منذ عقود من مستويات مرتفعة من البكتيريا المقاومة للأدوية المتعددة نتيجة للصراعات المتكررة والحصار الصهيوني المفروض منذ عام 2007، عندما سيطرت حركة حماس على السلطة.
وأوضح أن الوضع الحالي غير مسبوق، إذ لم يقتصر الأمر على انهيار نظام الرعاية الصحية، بل دُمّرت أنظمة الصرف الصحي، وتراكمت جمع النفايات الصلبة تقريبًا، وانتشر الجوع بين سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، مما جعل الكثيرين أكثر عرضة للإصابة.
الإمدادات الطبية
وطالبت منظمة الصحة العالمية، دولة الاحتلال بأن تسمح لها بتخزين الإمدادات الطبية لمواجهة الوضع الصحي الكارثي في قطاع غزة.
وقال ريك بيبركورن، ممثل المنظمة في الأراضي الفلسطينية: نريد تخزين الإمدادات، وسمعنا جميعًا عن السماح بدخول المزيد من الإمدادات الإنسانية، لكن ذلك لم يحدث بعد أو يحدث بوتيرة بطيئة للغاية.
وأكد بيبركورن أن غزة نفد منها أكثر من نصف الأدوية، وتمكنت المنظمة من إدخال إمدادات أقل مما كانت ترغب فيه بسبب الإجراءات المعقدة والمنتجات الممنوعة من الدخول، وهو ما يجري التفاوض بشأنه مع سلطات الاحتلال .
وأشار إلى أن 50% فقط من المستشفيات و38% من مراكز الرعاية الصحية الأولية تعمل، وحتى تلك تعمل بشكل جزئي، فيما بلغت نسبة إشغال الأسرة 240% في مستشفى الشفاء و300% في مستشفى الأهلي، وكلاهما في شمال غزة.
وحذر بيبركورن من أن الوضع الصحي العام لا يزال كارثيًا، والجوع وسوء التغذية يواصلان اجتياح غزة.