قرر وزير التربية والتعليم بحكومة عبد الفتاح السيسي حظر التطرق إلى أي قضايا خلافية ذات طابع سياسي أو ديني داخل المدارس، مما أثار انتقادات كثيرة، النائب فريدي البياضي وصف القرار بأنه "خرق صريح للدستور" يفرغ العملية التعليمية من جوهرها، القرار يتعارض مع نصوص أساسية في الدستور، مثل المادة (19) التي تنص على أن التعليم يهدف إلى بناء الشخصية المصرية وترسيخ المواطنة والتسامح.
وقدم "البياضي" سؤالًا برلمانيًا للوزير حول كيفية تدريس مواد مثل التاريخ والتربية الوطنية والتربية الدينية إذا كان أي نقاش في السياسة أو الدين مرفوضًا.
وحذر البياضي حذر من أن يؤدي القرار إلى تكميم الأفواه داخل الفصول، مما يضر بالعملية التعليمية.
وعن العلاقة مع الدستور، أشار النائب ببرلمان العسكر إلى أن القرار يتعارض دستوريا مع المادة (19) التي تنص على أن التعليم يهدف إلى بناء الشخصية المصرية وترسيخ المواطنة والتسامح، كما يتعارض القرار أيضًا مع المادة (65) التي تكفل حرية الفكر والرأي.
وطالب مراقبون بإعادة النظر في القرار وفتح النقاش حول كيفية تحسين جودة التعليم، داعين إلى تدريب المعلمين على إدارة الحوار وتنمية ثقافة التعددية والاحترام المتبادل.
دراسة توصى بفتح المجال للرأي
وفي دراسة علمية نشرها قسم الإدارة والتخطيط والدراسات المقارنة بكلية التربية جامعة الأزهر بالقاهرة للباحث د. محمود مصطفى أحمد
مدرس الإدارة والتخطيط والدراسات المقارنة بكلية التربية بنين بالقاهرة – جامعة الأزهر، تنولت العلاقة بين السياسة والتعليم، من جانب علمي، واستكشفت تأثير السياسة على التعليم وسياساته. واشارت الدراسة إلى أن هناك علاقة وثيقة بين السياسة والتعليم، حيث يؤثر كل منهما على الآخر.
وشملت أهداف الدراسة: تحديد مظاهر تأثير السياسة على التعليم وسياساته، وتحديد مظاهر تأثير التعليم وسياساته على السياسة، واستكشاف طبيعة العلاقة التبادلية بين السياسة والتعليم.
وكان من نتائج الدراسة أن السياسة تؤثر على التعليم وسياساته من خلال تحديد وإقرار فلسفة التعليم وغاياته، وتحديد وإقرار عمليات التمويل، وتحديد وإقرار الهياكل التنظيمية الإدارية لمؤسسات التعليم.
وكشفت أن التعليم وسياساته تؤثر على السياسة من خلال التنشئة السياسية للمواطنين، وتحقيق الغايات السياسية، وتحقيق الضبط الاجتماعي، ما يعني أن هناك علاقة تبادلية بين السياسة والتعليم، حيث يؤثر كل منهما على الآخر.
وأوصت الدراسة بالاهتمام بتخطيط السياسة التعليمية، بحيث تصبح أكثر تفاعلا مع مختلف السياسات المجتمعية ووضع إطار متناسق ومتكامل يوجه النظام التعليمي بعامة نحو صالح المجتمع ورخائه وازدهاره.
وساقت الدراسة أمثلة تاريخية عن التعليم والسياسة ونماذج القمع من خلال 3 أمم، فقالت: إنه "في مصر الفرعونية، كان التعليم يهدف إلى تخريج موظفين لتولي الوظائف في الحكومة، مما يدل على أن السياسة كانت لها تأثير كبير على التعليم".
وفي إسبرطة، كان التعليم يركز على تكوين جنود أقوياء، بينما في أثينا، كان التعليم يركز على تنمية العقل والتفلسف وفي ألمانيا النازية، كان التعليم يستخدم لتلقين الشباب الألماني التوجهات السياسية النازية، واعدادهم للقتال.
وبالمقابل، أشارت إلى أنه في الولايات المتحدة الأمريكية، كان تقرير "أمة في خطر" المنطلق لإصلاح التعليم وكان يهدف إلى تحسين جودة التعليم وتحفيز التغيير.
ومن أمثلة استشهادات الباحث أشار إلى أن أفلاطون تأثر بأفكار السياسية حينما وضع فلسفته المثالية وتصوره لنظام تعليمي في مدينته الفاضلة؛ حين قسم نظامه التعليمي وفقا للتقسيم السياسي وجعل على قمته الفلاسفة لأنه كان يري أنه يجب أن يناط بالفلاسفة حكم المدينة ترسيخا لسلطة العقل أما الفيلسوف الثوري باولو فريري فكتن يقول: " لا يوجد تعليما محايدًا؛ فهو إما للقهر وإما للحرية".
ومن واقعنا الحديث أشار إلى تأكيدات شيخ التربويين العرب د. حامد عمار -رحمه الله تعالى- الذي قال في كتابه "من همومنا التربوية والثقافية" إن هناك ارتباطاً عضوياً بين التعليم وأهدافه ووظائفه ومضامينه من ناحية، وبين ديناميات المجتمع وحركته في داخله ومع غيره من المجتمعات من الناحية الأخرى، وبنفس المنطق يمكن للدارس أن ينطلق من نظم التعليم ومؤسساته ومضامينه وقوانينه ليري فيها صورة المجتمع وأهدافه المعلنة والخفية وقواه السياسية وبصماتها في تشكيل المجتمع وتنظيمه وتحديد قواعده وحركة أطيافه وطبقاته.
وخلص الباحث إلى أن "الأصل في العلاقة بين التعليم والسياسة هو أن السياسة تُشكل أساسًا تنظيميًا للتعليم؛ إذ تعمل السلطة السياسية على رعاية التعليم وتوفير متطلباته، وعلى الجانب الأخر يجب أن يعمل التعليم على تكوين المواطن الصالح وفقًا لقواعد وأسس الداعم السياسي سواء كان من الداخل كالساسة وتنظيماتهم السياسة، أو من الخارج كالمنظمات العالمية كالأمم المتحدة والبنك الدولي وغيرهم".
المستشار د. مراد علي @mouradaly علق على قرار "لا تعليم في السياسة ولا سياسة في التعليم" أن وزير التعليم يريد "أن يلغي الاختلاف جملةً وتفصيلاً، فلا يُسمع إلا رأي واحد ولا تُقبل إلا وجهة نظر واحدة، لكن كيف يمكن أن يتحقق ذلك؟ ثم أيُّ قضية في الحياة تخلو من اختلاف أو نقاش؟ ".
وأضاف "في مدارسنا قديماً، كانت لنا مناظرات ثرية في السياسة والاقتصاد والاجتماع، نختلف ونتحاور، فنتعلم حرية الرأي واحترام الآخر، ونكتسب أدوات التفكير النقدي والجدل البنّاء".
وتابع: "اليوم، يريد الوزير أن يُعامل التلاميذ كما لو كانوا في معسكرٍ جيش، لا مكان فيه إلا للأوامر والطاعة العمياء، حتى تنتج أجيالاً خاضعة خانعة.".
https://x.com/mouradaly/status/1957907241241309364
ويسير محمد عبداللطيف وزير السيسي خلف العلمانيين من عينة حسام بدراوي الذي كان ينتقد "تدخل الدين في السياسة وفي التعليم" معتبرا أنه "يهدد السلم الاجتماعي" في حين لا يتذكر نصوص "الدستور " -رغم عواره- والتي لا تطبق ولا يوجد سياسات معلنة لتطبيقها يهدد الأمن القومي مثل الفصل بين السلطات وعدم تطبيق أسس العدالة الناجزة.
ويرى بدراوي أن قرار حظر التطرق إلى السياسة والدين في المدارس يهدف إلى خلق بيئة تعليمية محايدة وآمنة للطلاب من خلفيات متنوعة، ومنع النزاعات والتوترات التي قد تنشأ من مناقشات سياسية ودينية". في حين يرى البعض أن هذا القرار قد يحد من حرية التعبير والتنوع في الفكر، وقد يؤثر سلبًا على التعليم والتنمية الشخصية للطلاب.