لم يمض وقت طويل على أن قدّم المنقلب السفيه عبد الفتاح السيسي حقل ظهر باعتباره "المُنقذ" للاقتصاد المصري، و"الضامن" لاكتفاء البلاد من الغاز، حتى تحوّل الحقل خلال سنوات قليلة إلى عبء ثقيل يفضح سوء إدارة النظام، ويكشف حجم الكارثة التي صنعتها سياسات الاستنزاف العشوائي وغياب التخطيط.
وزير البترول في حكومة الانقلاب، كريم بدوي، أعلن مؤخرًا أن إنتاج الحقل تراجع بشدة ليصل إلى نحو 1.9 مليار قدم مكعبة يوميًا مطلع 2024، بعدما بلغ ذروته عام 2019، فيما لم يعد أمام النظام سوى التباهي بحفر بئر جديدة تضيف 65 مليون قدم مكعبة يوميًا، وهو رقم هزيل مقارنة بحجم التراجع.
اللافت أن السبب الرئيس وراء هذا التدهور – بحسب خبراء طاقة – هو تعجيل السيسي وتوجيهاته السياسية بزيادة الإنتاج بشكل مكثف منذ اللحظة الأولى، بهدف الدعاية السياسية وسد فجوات عاجلة في الميزان التجاري، ما أدى إلى نضوب الحقل بوتيرة أسرع من المتوقع، بدلاً من إدارة احتياطاته بعقلانية تراعي المدى الطويل.
من "الاكتفاء الذاتي" إلى الارتهان لإسرائيل
هذا التراجع وضع مصر في مأزق خطير: فبعدما صدّر النظام الغاز المصري في لحظة "انتشاء وهمية" عام 2019، ها هو يعود اليوم ليغرق البلاد في أكبر صفقة غاز في تاريخها مع إسرائيل بقيمة 35 مليار دولار، بموجب اتفاق سيستمر حتى عام 2040.
وفق الأرقام الرسمية، استوردت مصر في يوليو الماضي نحو 890 مليون قدم مكعبة يوميًا من الغاز الإسرائيلي، بزيادة تقارب 60% على أساس شهري، لتصبح تل أبيب المورد الرئيس لاحتياجات السوق المصري.
اقتصاد مُرتهَن وشركات غاضبة
تراجع إنتاج ظهر لم يكن نتيجة الاستنزاف فقط، بل أيضًا بسبب تراكم المتأخرات المالية للشركات الأجنبية مثل "إيني" و"بي بي"، التي أوقفت تطوير الحقل لفترات طويلة بسبب تأخر مستحقاتها لدى الحكومة المصرية، وهو ما يعكس فشل النظام في إدارة ملف الطاقة داخليًا، حيث باتت القاهرة تلهث وراء المستثمرين الأجانب، وتطرح مزايدات جديدة في محاولة لتعويض العجز.
وفي الوقت الذي يتباهى فيه رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بخطط رفع إنتاج الغاز إلى 6.6 مليارات قدم مكعبة يوميًا بحلول 2027، يعيش المصريون على وقع أدنى مستوى لإنتاج النفط منذ ثمانينيات القرن الماضي، وانخفاض الغاز إلى أدنى مستوياته منذ 9 سنوات.
الثمن يدفعه الشعب
جوهر الأزمة أن السيسي – الذي استخدم "معجزة ظهر" كورقة دعائية لتثبيت حكمه – لم يخطط لإدارة ثروة الغاز بما يخدم مصالح المصريين، بل استنزفها سريعًا ليظهر بمظهر "المُنجز"، والنتيجة أن مصر اليوم مرتهنة لإسرائيل في طاقة بفاتورة مليارية، بينما يزداد العجز التجاري ويتضاعف الدين الخارجي.
إن ما يجري ليس مجرد خلل في قطاع الطاقة، بل صورة مكثفة لفلسفة حكم السيسي: إنجازات ورقية، قرارات مرتجلة، دعاية صاخبة، ثم انهيار سريع يدفع ثمنه الشعب أجيالًا وراء أجيال.