تعيش مصر واحدة من أسوأ أزماتها في قطاع الطاقة منذ عقود، وسط انهيار إنتاج النفط والغاز، واعتماد متزايد على الاستيراد، في وقت يحمّل فيه خبراء النظام الحاكم بقيادة عبد الفتاح السيسي مسؤولية التفريط في الثروات الوطنية لصالح تحالفات إقليمية ودولية، على رأسها الكيان الصهيوني.
انهيار غير مسبوق في إنتاج النفط والغاز
كشف تقرير صادر عن منصة ميس المتخصصة في مشروعات الطاقة أن إنتاج النفط المصري تراجع إلى 513 ألف برميل يومياً في الربع الثاني من عام 2025، وهو أدنى مستوى منذ ثمانينيات القرن الماضي، فيما هبط إنتاج الغاز إلى 4.16 مليارات قدم مكعبة يومياً، مقارنة بـ7.2 مليارات في 2020، أي ما يعادل ثلثي احتياجات البلاد الحالية المقدّرة بـ6.2 مليارات قدم مكعبة يومياً.
هذا الانهيار أجبر الحكومة على التوسع في استيراد الغاز المسال والمازوت، بما يثقل كاهل الموازنة العامة بالديون ويستنزف العملة الصعبة.
صفقة غاز لصالح إسرائيل
وبينما يروّج النظام لتحسين الوضع عبر "مضاعفة الإمدادات الإسرائيلية"، كشفت تقارير أن التدفقات من الحقول الإسرائيلية لا تتجاوز مليار قدم مكعبة يومياً، أي أقل 40% من احتياجات الشركة الوطنية للغاز، في حين حصلت الشركات الإسرائيلية على امتيازات ضخمة، بينها رفع سعر الغاز المورد لمصر من 5.5 إلى 7.67 دولارات للمليون وحدة حرارية.
وتمتد الصفقة الجديدة حتى عام 2040 بقيمة 35 مليار دولار، لتؤكد – بحسب المراقبين – أن مصر تحولت من دولة مكتشفة لأكبر حقل في المتوسط (ظهر) إلى مجرد سوق استهلاكية للغاز الإسرائيلي.
خبراء: النظام يكرر نفس الأخطاء
يقول مدحت يوسف، نائب رئيس هيئة البترول الأسبق، إن الحكومة تضطر إلى تعديل الاتفاقيات مع الشركات الأجنبية لتكثيف الإنتاج، لكن ذلك لن يمنع استمرار مصر في استيراد الغاز الإسرائيلي لتغطية العجز وتشغيل محطات التسييل في إدكو ودمياط، سعياً وراء عوائد بالدولار تُستخدم لسداد مستحقات الشركات الأجنبية.
مصادر في القطاع كشفت أن مستحقات تلك الشركات بلغت ملياري دولار، في وقت تتعهد فيه الحكومة بسدادها رغم أزمتها المالية، ما يعكس – بحسب الخبراء – أولوية النظام لسداد التزاماته تجاه الخارج على حساب الداخل.
مياه النيل: معركة العطش
ولا يقتصر التفريط على الغاز والبترول، إذ يواجه المصريون أزمة مائية غير مسبوقة بعد توقيع السيسي اتفاق المبادئ عام 2015 مع إثيوبيا، الذي منح أديس أبابا شرعية بناء سد النهضة. النتيجة اليوم: عجز مائي متزايد، وارتفاع أسعار المياه على المواطنين، بينما يخوض النظام معركة "شعارات" بلا حلول حقيقية لحماية الأمن المائي.
أزمة ديون خانقة
بالتوازي، ترزح مصر تحت ديون ثقيلة، إذ تصل التزاماتها في 2025 إلى ما بين 43 و55 مليار دولار، وفق تقديرات متباينة. ويرى خبراء الاقتصاد أن التوسع في الاقتراض وتمويل صفقات طاقة غير عادلة يفاقم من خطر الانهيار المالي، ويضع مصر تحت رحمة الدائنين والشركاء الإقليميين.
خلاصة
بين انهيار إنتاج الغاز والبترول، والتبعية الطاقية لإسرائيل، والتفريط في مياه النيل، يجد المصريون أنفسهم أمام نظام يبيع الثروات الوطنية ويغرق البلاد في ديون بلا نهاية. يرى الخبراء أن سياسات السيسي ليست مجرد إخفاقات إدارية، بل تفريط استراتيجي متعمد يجعل مصر مرتهنة اقتصادياً وطاقياً ومائياً لخصومها التاريخيين.