أزمة الدواء ونقص بعض الأصناف وارتفاع أسعارها بشكل جنونى وصلت إلى الأطفال المبتسرين فى زمن الانقلاب بسبب عدم توافر الأدوية الخاصة بهم خاصة حقنة “ألفيوفاكت”، التى تستخدم في علاج حالات الضائقة التنفسية لدى الأطفال المبتسرين الذين لم يكتمل نمو الرئتين عندهم .
وتعانى أقسام الحضّانات بالمستشفيات الحكومية والخاصة، من أجل الحصول على هذه الحقنة بسبب نقص هذا الدواء في الأسواق، رغم اعتباره أحد العلاجات الأساسية لتقليل مضاعفات الجهاز التنفسي لدى هذه الفئة من الأطفال.
يشار إلى أن ألفيوفاكت (Alveofact) هو أحد أهم الأدوية المتاحة لعلاج متلازمة ضيق التنفس الحاد عند الأطفال المبتسرين، وهي حالة طبية طارئة تهدد حياة الرضع الذين يولدون قبل اكتمال نمو الرئة .
في الوضع الطبيعي، تفرز رئة الجنين مادة تُسمى السيرفاكتانت الرئوية تعمل على منع انهيار الحويصلات الهوائية أثناء التنفس، لكن حين يولد الطفل مبكرًا، غالبًا لا يكون هذا الإفراز قد اكتمل بعد، ما يؤدي إلى فشل في التنفس يحتاج معه الرضيع إلى دعم عاجل، والدواء الوحيد القادر على إنقاذه هو حقنة ألفيوفاكت.
حياة أو موت
فى هذا السياق كشف مصدر صيدلي أن هذا النوع من الحقن، له تركيزان، السعر الرسمي للأول 6500 جنيه تقريبًا، بينما يصل سعر الثاني إلى 7500 جنيه، مشيرًا إلى أن العقار يشهد حاليًا توافرًا نسبيًا في الأسواق .
ولفت المصدر الذى رفض الكشف عن هويته إلى أن الأزمة بلغت ذروتها قبل شهرين فقط، حينما اختفى الدواء تمامًا، وارتفع سعر الحقنة في السوق السوداء إلى نحو 12 ألف جنيه .
واعتبر أن العقار مسألة “حياة أو موت”، موضحًا أن وجود الحقنة يعني أن الطفل لديه فرصة للبقاء، بينما غيابها قد يؤدي إلى الوفاة.
وكشف المصدر أن السوق الموازي لعب دورًا استثنائيًا خلال الأزمة، رغم عدم قانونيته مشيرا إلى أن بعض التجار استوردوا العقار من الخارج لإنقاذ حياة الأطفال، وكانوا حريصين على طرحه بأسعار مقبولة، ليست مساوية للسعر الرسمي بالطبع، لكنها أقرب إليه وكانوا يقولون أن الهدف ليس المكسب بل إنقاذ حياة الصغار .
وأشار إلى أن ما فعله هؤلاء التجار، رغم أنه خارج الإطار القانوني، ساعد في سد فجوة قاتلة، ولو انتظرنا دولة العسكر كي تتحرك عبر قنواتها الرسمية، كان الأمر سيستغرق وقتًا طويلًا، وخلاله ربما كان كثير من الأطفال فقدوا حياتهم .
مصيبة كبرى
وأكد محمود فؤاد، مدير المركز المصري للحق في الدواء، أنه رصد خلال أسبوعين قائمة بأصناف دوائية لا بدائل لها في السوق المصري، معتبرا ذلك “مصيبة كبرى”، لكون هذه الأدوية منقذة للحياة.
وقال فؤاد فى تصريحات صحفية إن القائمة تضم ثلاثة من أهم أدوية القلب غير المتوفرة حاليًا، إلى جانب عقار “ألفيوفاك (Alveofact) المخصّص للأطفال المبتسرين، وهو العلاج الوحيد المتاح لمتلازمة الضائقة التنفسية.
وكشف أن ثمن الحقنة يبلغ نحو 6000 جنيه، وأنها تُستورد من ألمانيا، مؤكدًا أنه تواصل مع مصادر داخل هيئة الدواء أكدت وجود رصيد فعلي من العقار، لكن صرفه لا يتم إلا بتعليمات مباشرة من رئيس الهيئة أو نائبه، دون توضيح الأسباب.
وأضاف : قد تكون هناك اعتبارات فنية لا أعرفها، لكن ما أعرفه يقينًا أن هناك مستشفيات تطلق استغاثات فعلية بسبب وفاة أطفال لعدم حصولهم على هذه الحقنة المنقذة للحياة .
وتساءل فؤاد: كيف يمكن لبلد مثل مصر، التي تشهد أكثر من مليون و600 ألف ولادة سنويًا، أن تواجه هذا النقص؟ موضحا أن الكثيرين من هؤلاء المواليد يدخلون الحضانات بسبب الصفراء أو عدم اكتمال الرئة، وحالات عدم اكتمال الرئة تتطلب الحقنة خلال 24 إلى 48 ساعة لإنقاذ حياة الرضيع، واعتبر ما يحدث مأساة بكل المقاييس.
الملف الدوائي
وكشف فؤاد أنه أرسل شكاوى واستفسارات إلى مستشار رئيس وزراء الانقلاب بشأن الأزمة ولم يتلق ردًا حتى الآن، مشددًا على أن القضية تمس كل أسرة مصرية،
وشدد على أن مصر تحتاج إلى نحو 4000 حقنة سنويًا، بينما الرصيد المتوافر أقل من ذلك بكثير، مشيرًا إلى وجود صنف بديل يُقال إنه سيُطرح قريبًا بسعر يصل إلى 10 آلاف جنيه للحقنة الواحدة، وهو ما يضاعف العبء على الأسر.
وأكد فؤاد أن الأزمة تكشف حجم الاستهانة بالملف الدوائي، ليس فقط في ما يخص الأطفال، بل أيضًا في ما يتعلق بالأدوية المنقذة للحياة بوجه عام، مستشهدًا بأزمة نقص أدوية القلب، وتساءل: كيف يمكن لمريض يصاب بأزمة قلبية أو جلطة أو رجفان أن لا يجد دواءه في مصر؟ هذا أمر غير معقول على الإطلاق.
وطالب بفتح تحقيق عاجل في أزمة نقص الأدوية المنقذة للحياة، مشددا على أنه من غير المقبول أن نصل في مصر إلى مرحلة يكون فيها رصيد ثلاثة أدوية أساسية لعلاج أمراض القلب صفراً، .
متلازمة الضائقة التنفسية
وقالت الدكتورة سمر رضا، – استشاري طب الأطفال وحديثي الولادة-، ان الأطفال المبتسرين يواجهون عند الميلاد مجموعة من المخاطر الصحية، على رأسها متلازمة الضائقة التنفسية (RDS)، وهي من أكثر المشكلات شيوعًا وخطورة بين هذه الفئة.
وأوضحت سمر رضا فى تصريحات صحفية أن هذه المتلازمة، تحدث نتيجة غياب أو نقص مادة طبيعية تُسمى السيرفاكتانت، التي يبدأ جسم الجنين في إفرازها بين الأسبوع العشرين والرابع والعشرين من الحمل، ويكتمل إنتاجها عادة مع بلوغ الأسبوع الرابع والثلاثين، وتكمن أهميتها في الحفاظ على الحويصلات الهوائية مفتوحة أثناء عملية الزفير عبر تقليل التوتر السطحي، وبالتالي فإن الأطفال الذين يولدون قبل هذا العمر الحملي يكونون أكثر عرضة للإصابة بضيق التنفس وما يترتب عليه من مضاعفات.
وأكدت إن عقاقير مثل ألفيوفاكت، وسيرفانتا (Survanta) وكوروسيرف (Curosurf) تُعد حجر الأساس في إنقاذ هؤلاء الرضع، إذ تعمل على تعويض نقص مادة السيرفاكتانت، وتساعد بشكل مباشر على تحسين تبادل الغازات وتقليل الاعتماد على أجهزة التنفس الصناعي. كذلك تقلل هذه العقاقير من خطورة الإصابة بمضاعفات بالغة مثل مرض الرئة المزمن أو النزيف الدماغي الداخلي، إلى جانب مساهمتها في خفض نسب الوفيات المرتبطة بالمتلازمة وفق ما أثبتته دراسات طبية عديدة.
وأشارت سمر رضا إلى أن هذه العقاقير يمكن أن تُعطى إما بشكل وقائي، مباشرة بعد الولادة للرضع المهددين بالإصابة، أو بشكل علاجي بعد تشخيص المتلازمة عبر الأشعة وظهور الأعراض السريرية.
وقالت : في بعض الحالات قد يحتاج الطفل إلى أكثر من جرعة وفقًا لتطور حالته، مؤكدة أن حياة الرضع المبتسرين تكون مهددة بشدة إذا لم يحصلوا على هذه العقاقير، حيث قد يتعرضون لنقص حاد في الأكسجين يؤثر على الدماغ والقلب والكلى، أو لفشل تنفسي كامل، بل وقد يواجهون خطر الوفاة خلال الساعات أو الأيام الأولى بعد الولادة.