تسعى الإمارات سعيا حثيثا للاستحواذ على الشركة الصهيونية "نيوميد " للطاقة صاحبة أكبر عقود توريد غاز الاحتلال إلى مصر، من حقل ليفياثان بكميات تتراوح من 85.3 إلى 130 مليار متر مكعب، بقيمة إجمالية تصل إلى 35 مليار دولار، حيث تمتلك شركة نيوميد 45.34% من حقل ليفياثان، المورد الرئيسي لغاز الاحتلال إلى مصر.
ولا تعبأ أبو ظبي بتجميد صفقة للحصول على 50% من الشركة في مارس 2024، حيث أنها بالفعل تشارك الكيان صفقات أخرى في قطاع الطاقة الصهيوني وباستثمارات حكومية من الإمارات كحقل تمار وخطوط للطاقة تمثل بدائل ل"قناة السويس".
"صحيح مصر" رصد تمدد الإمارات في الغاز من كيان الاحتلال بعرض نسبة من "نيوميد" الذي قدمته "أدنوك" و"بي بي" بنحو 14 مليار شيكل (3.8 مليارات دولار)، بزيادة قدرها 72% عن قيمة أسهم شركة نيوميد المدرجة في البورصة "الإسرائيلية"، وقال الإعلام الصهيوني: إنه "بسبب التوترات السياسية في المنطقة بعد اندلاع الحرب في غزة، جمدت في مارس 2024 الصفقة".
وأوضحت المنصة عبر (إكس) أنها "لم تكن الصفقة المعطلة أول فرصة للدخول الإماراتي إلى قطاع الطاقة الإسرائيلي؛ إذ سبقتها استثمارات حكومية وخاصة من الإمارات في حقول الغاز، فضلاً عن دور الإمارات في توريد النفط ل"إسرائيل".
وقالت @SaheehMasr : إنه "منذ توقيع اتفاقيات إبراهيم في عام 2020، دشنت الإمارات مرحلة جديدة من العلاقات الرسمية مع الكيان حيث سجلت نحو 500 شركة إماراتية في غرفة التجارة المشتركة بين البلدين، في مؤشر واضح على تنامي التعاون الاقتصادي".
وفي العام 2018، وقّعت مصر اتفاقية لاستيراد الغاز الطبيعي من حقل تمار في الأراضي المحتلة، ونصّت -الاتفاقية بعد تعديلها في 2023- على توريد ما لا يقل عن 3.5 مليارات متر مكعب سنويًا لمصر، لمدة 11 عامًا.
وبعد توقيع مصر للاتفاقية في 2018، اندفعت الإمارات لشراء حصص في حقول الغاز الإسرائيلية إلى أن نجحت في أبريل 2021، في الحصول على حصة قدرها 22% من حقل تمار، عبر "صندوق مبادلة للاستثمار" السيادي المملوك لحكومة أبوظبي، بعدما اشترى الصندوق كامل حصة شركة "ديليك درلينغ" المملوكة للملياردير الإسرائيلي إسحاق تشوفا، بقيمة 1.1 مليار دولار.
وحصلت "مبادلة" على الحصة عبر شركتين تابعتين مسجلتين في سوق أبوظبي المالي، وهما: "تامار للاستثمار 1 آر إس سي المحدودة"، و"تامار للاستثمار 2 آر إس سي المحدودة".
وفي عام 2023، باعت "مبادلة للاستثمار" نصف حصتها في حقل "تمار" إلى الملياردير ورجل الأعمال الإسرائيلي آرون فرينكل مقابل 520 مليون دولار.
وآرون فرينكل، مهندس العلاقات الإسرائيلية في آسيا ويشغل رئيس المؤتمر اليهودي الأوروبي الآسيوي، ونائب الرئيس الأول وأمين صندوق المؤتمر اليهودي العالمي، وسبق صرح لصحيفة جلوبز الإسرائيلية في يونيو الماضي، أن بيع هذه الحصة لأبوظبي جاء ضمن اتفاقيات إبراهيم لتطبيع العلاقات مع الإمارات.
وفي أعقاب السابع من أكتوبر 2023، قال فرينكل: إن "المؤتمر اليهودي الأوروبي الآسيوي مستعد لدعم أي إجراء قانوني في أي دولة لحظر حركة حماس وحظر مؤيديها".
وتتوزع حصص الشركاء في حقل تمار بين شيفرون الأمريكية بنسبة 25%، وصندوق مبادلة للاستثمار الإماراتي بنسبة 11%، شركة سوكار الآذربيجانية بنسبة 10%، فيما يتحكم آرون فرينكل بشكل مباشر وغير مباشر في نسبة 31%، والنسبة المتبقية 23% تتوزع على شركات إسرائيلية أخرى، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة جلوبز في يونيو الماضي.
بترومال وقناة السويس
ووقّعت شركة "بترومال" الإماراتية اتفاقية تعاون مع شركة "خط أنابيب أوروبا وآسيا" المعروفة اختصارًا بـ"EAPC"، ضمن مشروع أُطلق عليه اسم "ميد-ريد لاند بريدج" (MED-RED Land Bridge).، حي ثتعود ملكية "بترومال" بالكامل إلى "الشركة الوطنية القابضة" الإماراتية، وهي شركة خاصة مقرها أبوظبي، يترأس مجلس إدارتها رجل الأعمال جوعان عويضة سهيل الخييلي، والذي يشغل أيضًا منصب رئيس مجلس إدارة بنك أبوظبي الإسلامي في الإمارات، إلى جانب رئاسته لفرع البنك في المملكة المتحدة.
ومشروع "ميد-ريد لاند بريدج" يستهدف نقل النفط الخام من الإمارات إلى أوروبا عبر خط أنابيب يربط مدينة إيلات الإسرائيلية المطلة على البحر الأحمر، وميناء عسقلان الإسرائيلي على ساحل البحر المتوسط، بجانب الاستفادة من المحطات، ومنشآت التخزين، والبنية التحتية لخطوط الأنابيب التابعة لشركة EAPC "الإسرائيلية"!
وقالت المنصة: إن "المشروع يمثل طريقًا بديلاً لقناة السويس أو الرحلة البحرية الطويلة حول رأس الرجاء الصالح".
وأوضحت أن شركة خط أنابيب أوروبا وآسيا والمعروفة باسم EAPC تأسست في 1968 تحت اسم "شركة خط أنابيب إيلات-عسقلان"، كنواة مشروع مشترك بين "إسرائيل" وإيران في عهد الشاه رضا بهلوي، بملكية مناصفة لنقل النفط الإيراني إلى أوروبا. لكن بعد الثورة الإسلامية في إيران وقطع العلاقات، أمّمت تل أبيب الشركة لصالحها.
وفي عام 2015، قضت محكمة سويسرية بإلزام "إسرائيل" بدفع تعويض قدره 1.1 مليار دولار لإيران، إلا أن الأخيرة رفضت، استنادًا إلى قوانين "التجارة مع العدو". وتُعد الشركة واحدة من أكثر الكيانات غموضًا في إسرائيل، حيث تعمل منذ تأسيسها بموجب أمر حكومي يُبقي أنشطتها سرية، بحسب صحيفة "فاينانشال تايمز".
وأسست شركة "بترومال" الإماراتية شركة باسم "ميد رد لاند بريدج" Med-Red Land Bridge في جزر كايمان -إحدى الملاذات الضريبية- بالشراكة مع اثنين من الشركاء، الأول: هو شركة "إلبر فوغال Alper-Fogel Entrepreneurship"، المسجلة في إسرائيل تحت رقم السجل التجاري 516262524.
والشركة الثانية هي "إلبر فوغال" المملوكة لرجلا الأعمال "الإسرائيليين" يونا فوغال، وملاخي إلبر. وفوغال هو المدير التنفيذي لشركة "باز للنفط المحدودة" المملوكة للحكومة الإسرائيلية بين عامي 2007 و2020، قبل أن يتغير اسمها إلى "شركة مصفاة أشدود للنفط". كما يرأس مجلس إدارة شركة "ستوريج دروب تكنولوجيز المحدودة"، ويشغل منصب مدير في شركة "شوفرسال فاينانس المحدودة".
وملاخي إلبر، يشغل حاليًا منصب الرئيس التنفيذي لشركة "مصفاة أشدود للنفط" (Ashdod Refinery Ltd) -المعروفة سابقًا باسم "باز للنفط"- ويرتبط بعلاقات وثيقة بمسؤولين في الحكومة الإسرائيلية.
والشركة الثانية الشريكة في مشروع Med-Red Land Bridge هي شركة "لوبر لاين المحدودة Lubber Line Capital Limited"، المسجلة في دولة جبل طارق تحت رقم السجل التجاري 120273. ويمتلكها رجل الأعمال ياريف الباز (Yariv Elbaz)، وهو يهودي يحمل الجنسيات المغربية، والإسرائيلية، والفرنسية. لعب الباز دورًا كبيرًا في تطبيع العلاقات بين "إسرائيل" والمغرب، مستفيدًا من علاقاته الوثيقة بالعائلة الملكية المغربية. كما يمتلك عددًا من الشركات العاملة في قطاع الطحن في المغرب، وفي مجالات البحث والاستكشاف عن النفط والغاز في دول إفريقيا جنوب الصحراء.
وبسبب هجمات 7 أكتوبر 2023 على محطة عسقلان النفطية، وأنشأت شركة EAPC خط أنابيب جديد بطول 263 كيلومترًا بين إيلات وعسقلان، لنقل النفط الخام إلى مصفاة في أشدود، رغم أن ميناء إيلات لم يُستخدم منذ سنوات لاستيراد النفط.
وتنقل EAPC النفط من أذربيجان عبر ناقلات تمر عبر تركيا إلى ميناء عسقلان الإسرائيلي على البحر المتوسط، حيث توفر أذربيجان نحو 20% من احتياجات إسرائيل النفطية منذ تطبيع العلاقات بين البلدين. ومؤخرًا، نقلت ناقلة النفط "سيفيوليت" مليون برميل من النفط الأذربيجاني من ميناء جيهان التركي إلى ميناء إيلات، حيث تتولى مجموعة "بازان" الإسرائيلية تكريره.
النفط الإماراتي إلى كيان مجرمي الحرب
وفي عام 2020، وقّعت شركة "بازان" الصهيونية لمصافي النفط مذكرة تفاهم مع شركة "المزروعي الدولية" الإماراتية، وتهدف إلى استيراد وبيع أنواع من البوليمرات غير المنتجة محليًا في الكيان، مثل البولي إيثيلين عالي الكثافة والبولي إيثيلين الخطي منخفض الكثافة، لتلبية احتياجات السوق الإسرائيلية، وكذلك التصدير إلى أوروبا والولايات المتحدة.
ويمتلك شركة "بازان" مجموعة من المستثمرين والأفراد، إذ إنها مدرجة في بورصة تل أبيب تحت الرمز ORLK وتمتلك شركة "إسرائيل للبتروكيماويات المحدودة" نسبة 24.76% من رأس مال الشركة، بما يُقدّر بحوالي 769 مليون سهم، وبقيمة سوقية تقدر بـ667.3 مليون شيكل.
ويمتلك المستثمر الأمريكي جيريمي بلانك نحو 6.78% من الأسهم، ثم حصص صغيرة لا تتجاوز 1%، من بينها حصة رئيس مجلس الإدارة موشيه كابلينسكي، الذي شغل سابقًا منصب نائب رئيس الأركان في جيش كيان العدو.
و"مجموعة المزروعي"، تأسست في دبي، ويترأس مجلس إدارة الشركة راشد المزروعي علي راشد حميد المزروعي، وهو عضو مجلس إدارة في مصرف عجمان، ويشغل أيضًا منصب الرئيس التنفيذي لمجموعة "البحري والمزروعي"، وهو تكتل شركات تأسس في دبي عام 1972.
https://x.com/SaheehMasr/status/1959672804770447707
الطاقة في مصر
ومنذ عام 2019 تسعى أبو ظبي للهيمنة على أكبر مساحة ممكنة من قطاع الطاقة في مصر، عبر الاستحواذ على شركات وحقول ومحطات وقود ومشاريع الطاقة المتجددة.
وحصلت شركة “أبوظبي التنموية القابضة” (ADQ)، في نوفمبر 2024 على حصص مؤثرة في ثلاث شركات طاقة مصرية ضمن برنامج الطروحات الحكومية: 25% من أسهم الشركة المصرية للحفر، و30% من أسهم شركة “إيثيدكو” (المصرية لإنتاج الإيثيلين ومشتقاته)، و35% من أسهم شركة “إيلاب” (المصرية لإنتاج الألكيل بنزين الخطي).
واستحوذت “أدنوك”، في فبراير 2023 على 50% من محطات الوقود التابعة لشركة TotalEnergies في مصر، والتي تدير نحو 238 محطة. بلغت قيمة الصفقة نحو 186 مليون دولار، مع مبلغ إضافي قد يصل إلى 17.3 مليون دولار إذا ما تم استيفاء شروط محددة، وفق بيان الشركة لسوق أبوظبي للأوراق المالية.
واستحوذت شركة “دراجون أويل” المملوكة لإمارة دبي في 2020 على كامل حقوق شركة (BP) البريطانية في مصر، لتصبح شريكًا رئيسيًا في امتيازات خليج السويس.
ودخلت شركة “مبادلة” الإماراتية على خط الاستحواذ في 2018 بشراء 20% من امتياز حقل “نور” البحري شمال سيناء، كما أصبحت شريكًا في حقل “ظهر” العملاق قبالة الساحل الشمالي بعد استحواذها على جزء من حصة شركة ENI الإيطالية.
ووقّعت مجموعة “AMEA Power” الإماراتية اتفاقًا مع الحكومة المصرية في ديسمبر 2024، لتطوير مشاريع للطاقة المتجددة بقيمة 600 مليون دولار، تشمل محطة طاقة شمسية “Abydos 1” في أسوان، ومزرعة رياح بقدرة 500 ميغاواط في خليج السويس.
وضمن مذكرات التفاهم موقعة بين الشركة ومصر في نوفمبر 2024، إنشاء محطتان لإنتاج الخلايا الشمسية بقدرة 2 جيجاواط لكل منهما، مراكز لتخزين البطاريات بطاقة أولية تبلغ 2 جيجاواط ، محطات شمسية بقدرات تصل إلى 900 ميجاواط في واحة الداخلة، 300 ميجاواط في بنبان بأسوان، محطة عائمة بقدرة 3 جيجاواط في بحيرة ناصر، وأخرى بقدرة 2 جيجاواط في نجع حمادي، إلى جانب منطقة صناعية في شرق بورسعيد مخصصة للطاقة المتجددة والتكنولوجيا المتقدمة.
مخاوف من تبعات
وقال المعهد المصري للدراسات: إن "المصريين ينظرون بريبة إلى اندفاع أبوظبي نحو السيطرة على قطاعات الطاقة، لاسيما سعيها لصفقات في الأراضي المحتلة، والتي تتحكم فعليًا في الاقتصاد المصري خلال 15 عامًا المقبلة".
وتستند هذه المخاوف إلى ثلاثة مرتكزات رئيسية:
1. أن معظم الاستحواذات الإماراتية تطال أصولًا استراتيجية بالغة الحساسية، تشكل جزءًا من البنية السيادية المصرية وعصب اقتصادها، مثل شركات الطاقة والبترول، الموانئ، البنوك، المؤسسات المالية والنقدية، إضافة إلى الفنادق والتراث العقاري المرتبط بالهوية الوطنية.
2. أن غالبية هذه الصفقات أُبرمت في ذروة الأزمات الاقتصادية، حين كان الاقتصاد المصري مشلولًا وحكومة القاهرة في حاجة ماسة للسيولة الدولارية لتغطية التزاماتها الداخلية والخارجية. هذا الوضع سمح بتمرير صفقات بأسعار أدنى بكثير من القيمة الحقيقية للأصول، ما زاد من الاحتقان الشعبي ضد أبوظبي، التي يُتهم قادتها باستغلال الظرف العصيب لتجريد مصر من أصولها.
3. يبقى التخوف الأبرز مرتبطًا باستخدام هذه الاستثمارات كورقة ضغط سياسي واقتصادي ضد القاهرة مستقبلًا. فحين تهيمن دولة على إمدادات الطاقة خارجيًا وعلى حصة كبيرة من السوق الداخلي، يصبح الوضع مقلقًا، خاصة مع وجود خلافات بين البلدين في ملفات ملتهبة مثل اليمن، السودان، ليبيا، غزة، القرن الأفريقي وسد النهضة، على الرغم من محاولات التجميل الإعلامي لخطاب “التقارب”.