بينما التزمت سلطات الانقلاب فى مصر ،صمتًا مريبًا، فى ظل انشغال خارجية السيسى بالدفاع عن بلطجية سفارات مصر فى الخارج ، ،أصدرت محكمة أمريكية حكمًا بحق متهم بتهريب آثار مصرية جرى ضبطها بين عامي 2019 و2020، وقد خرجت مباشرة من مطار القاهرة إلى نيويورك، في واحدة من القضايا التي تفضح غياب أي دور رسمي مصري في المتابعة أو التحقيق.
المدعي العام الأمريكي كشف أن القطع الأثرية كانت "طازجة"، أي جرى نهبها حديثًا من مواقع أثرية، وهو ما أكدته مذكرات الحكم التي أشارت إلى أن المضبوطات كانت تفوح منها رائحة التراب الرطب ولا تزال مغطاة به. بل عُثر في هاتف المتهم على مقطع مصور يُظهر نزولًا إلى حفرة مكتشفة حديثًا تكشف عن غرفة تضم نقوشًا أثرية.
غياب مصري عن القضية
الناشط الحقوقي المصري أحمد خير الدين تواصل مع مكتب المدعي العام للمنطقة الشرقية من نيويورك للاستفسار عن طبيعة التعاون مع السلطات المصرية في القضية، فجاءه الرد: "لا تعليق.. الاتصالات مع مصر ليست ضمن السجلات العلنية".
وأكد خير الدين أن الحكم تضمن تفاصيل دقيقة حول رحلات التهريب، إذ وصل المتهم في كل مرة إلى مطار جون كينيدي قادمًا من القاهرة، سواء في المرات الأربع الواردة في لائحة الاتهام أو في غيرها من الوقائع المشمولة في التحقيقات.
أما عن مصير القطع الأثرية، فأوضح الادعاء الأمريكي أن جميعها تمت استعادتها من قبل سلطات إنفاذ القانون الأمريكية، فيما تبقى إعادة القطع إلى مصر مسؤولية وزارة الأمن الداخلي الأمريكية وإدارة تحقيقات الأمن الداخلي، دون أي إشارة لدور مصري.
من هو المتهم؟
المتورط في القضية هو الطبيب المصري الأمريكي أشرف عمر الدردير (52 عامًا)، مقيم في بروكلين بولاية نيويورك. بدأ نشاطه في التهريب منذ أحداث 2011، ونفذ أربع عمليات تهريب بين 2019 و2020.
اعترف بالتهم الموجهة إليه في فبراير 2025، وصدر بحقه حكم بالسجن 6 أشهر في أغسطس 2025. ولم تُشر التحقيقات إلى أي علاقة له بعصابات منظمة أو روابط خارجية، بل جرى توصيف القضية كتهريب فردي.
محاولات للتعمية في الداخل
في الوقت الذي تحاكم فيه أمريكا المهربين على أراضيها، أعلنت السلطات المصرية ضبط تاجر آثار بمحافظة المنيا وبحوزته 577 قطعة أثرية، زعمت أنه استخرجها بنفسه من الجبل وحاول بيعها لضابط متخفي في هيئة تاجر. خطوة اعتبرها مراقبون مجرد محاولة لصرف الأنظار عن فضيحة تهريب الآثار عبر أكبر منفذ رسمي للخارج: مطار القاهرة.
معابد كاملة أُهديت للخارج
قضية تهريب الآثار ليست جديدة. ففي ستينيات القرن الماضي، قدّم جمال عبد الناصر "هدايا أثرية" لدول غربية تحت ذريعة إنقاذ معابد النوبة.
فقد أهدى معبد دندور لأمريكا (معروض حاليًا في متحف المتروبوليتان بنيويورك)، ومعبد ديبود لإسبانيا، ومعبد طافا لهولندا، ومعبد إليسيه لإيطاليا، إلى جانب البوابة البطلمية من معبد كلابشة التي أُهديت لألمانيا.
مفارقة تاريخية أن تلك المعابد التي لا تُقدر بثمن ما زالت حتى اليوم معروضة في متاحف تلك الدول، بينما يصرّ بعض أنصار الناصرية على التغني بشعارات "الكرامة" و"السيادة".
تجارة آثار تفوق عوائد السياحة
تشير تقارير إلى أن تجارة الآثار غير المشروعة في مصر تشكل سوقًا ضخمة تُقدّر بنحو 20 مليار دولار سنويًا، أي أكثر من عائدات السياحة وقناة السويس معًا. كما تُسجَّل في مصر ما بين 2000 إلى 3000 قضية تهريب ومخالفات أثرية أسبوعيًا، في انعكاس لحجم الكارثة، لكن ما يُضبط ليس سوى قمة جبل الجليد.